للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثلاث وأربعون: الآثار الإيمانية لأسماء العليم – العالم – العلام]

١) إثبات العلم التام الكامل الشامل لله وحده، ولا يشابهه أحد من مخلوقاته في كمال علمه:

وقد أثبت الله عز وجل لنفسه العلم الكامل الشامل في آيات كثيرة منها قوله تعالى إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [طه: ٩٨]، وقوله وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا [غافر: ٧]، وقوله وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطَّلاق: ١٢].

ففي هذه الآيات إثبات علمه بكل شيء من الأشياء، دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، كما قال سبحانه وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام: ٥٩]، وقال وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجنّ: ٢٨].

وقد أنكر بعض الفلاسفة ومن تابعهم كابن سينا علمه تعالى بالجزيئات، فقالوا إنه يعلم الأشياء على وجه كلي لا جزئي، وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية عليهم في كتابه (درء تعارض العقل والنقل) بقوله: وهذا مما يبين لك أن من قال من المتفلسفة إنه سبحانه يعلم الأشياء على وجه كلي لا جزئي، فحقيقة قوله إنه لم يعلم شيئاً من الموجودات، فإنه ليس في الموجودات إلا ما هو معين جزئي، والكليات إنما تكون في العالم، لاسيما وهم يقولون: إنما علم الأشياء لأنه مبدؤها وسببها، والعلم بالسبب يوجب العلم بالمسبب، ومن المعلوم أنه مبدع للأمور المعينة المشخصة الجزئية، كالأفلاك المعينة والعقول المعينة، وأول الصادرات عنه – على أصلهم – العقل الأول، وهو معين، فهل يكون من التناقض وفساد العقل في الإلهيات أعظم من هذا؟ (١).

وبين العلامة المحقق ابن القيم أن (الحمد لله) تتضمن الرد على منكري علمه تعالى بالجزئيات، قال: وذلك من وجوه:

أحدهما: كمال حمده، وكيف يستحق الحمد من لا يعلم شيئاً من العالم وأحواله وتفاصيله، ولا عدد الأفلاك، ولا عدد النجوم، ولا من يطيعه ممن يعصيه، ولا من يدعوه ممن لا يدعوه؟

الثاني: أن هذا مستحيل أن يكون إلهاً، وأن يكون رباً فلابد للإله المعبود، والرب المدبر من أن يعلم عابده ويعلم حاله.

الثالث: من إثبات رحمته، فإنه يستحيل أن يرحم من لا يعلم.

الرابع: إثبات ملكه، فإن ملكاً لا يعرف أحداً من رعيته ألبته ولا شيئاً من أحوال مملكته ألبته، ليس بملك بوجه من الوجوه.

الخامس: كونه مستعاناً.

السادس: كونه مسئولا أن يهدي سائله ويجيبه.

السابع: كونه هادياً.

الثامن: كونه منعماً.

التاسع: كونه غضباناً على من خالفه.

العاشر: كونه مجازياً، يدين الناس بأعمالهم يوم الدين.

فنفي علمه بالجزئيات مبطل لذلك كله (٢).

وكيف لا يحيط تعالى علماً بكل شيء وهو قد خلق كل شيء أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ [الملك: ١٤].

فقبح الله من رمى ربه بالجهل وعدم العلم وهو يأنف أن يوصف بشيء من ذلك.

٢) أن الله سبحانه لكمال علمه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، أي أنه سبحانه يعلم الأمور الماضية التي وقعت، والأمور المستقبلية التي لم تقع بعد، ويعلم الأمور التي لن تقع لو فرض أنها تقع كيف تقع، وهذا من كمال علمه بالغيب وعواقب الأمور، وهو معتقد أهل السنة والجماعة، والأدلة على ذلك كثيرة منها:

قوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: ٤٩].


(١) ((درء تعارض العقل والنقل)) (٥/ ١١٣)، وانظر: (١٠/ ١٥١).
(٢) ((مدارج السالكين)) (١/ ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>