للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: ادعاء النبوة]

قوله: ((وإنه سيكون من أمتي كذابون ثلاثون)) (١)، حصرهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدد، وكلهم يزعم أنه نبي أوحي إليه، وهم كذابون، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ولا نبي بعده، فمن زعم أنه نبي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو كاذب كافر حلال الدم والمال، ومن صدقه في ذلك، فهو كافر حلال الدم والمال، وليس من المسلمين ولا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن زعم أنه أفضل من محمد، وأنه يتلقى من الله مباشرةً ومحمد صلى الله عليه وسلم يتلقى منه بواسطة الملك، فهو كاذب كافر حلال الدم والمال. القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - ١/ ٥٨٥

قال السفارييني (٢):

ولا تنال رتبة النبوة ... بالكسب والتهذيب والفتوة

لكنها فضل من المولى الأجل ... لما يشاء من خلقه إلى الأجل

- وإذا كان الأمر كذلك، فإن ادعاء النبوة - كذباً وزوراً - من أشنع الكذب وأقبحه، كما يقول ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: إن النبوة إنما يدعيها أصدق الصادقين، أو أكذب الكاذبين، ولا يلتبس هذا بهذا إلا على أجهل الجاهلين، بل قرائن أحوالهما تعرب عنهما، وتعرف بهما، والتمييز بين الصادق والكاذب له طرق كثيرة فيما دون دعوى النبوة، فكيف بدعوى النبوة؟ (٣).

ويتحدث ابن تيمية عن هذه المسألة قائلاً: معلوم أن مدعي الرسالة إما أن يكون من أفضل الخلق وأكملهم، وإما أن يكون من أنقص الخلق وأرذلهم، ولهذا قال أحد أكابر ثقيف للنبي صلى الله عليه وسلم لما بلغهم الرسالة ودعاهم إلى الإسلام: والله لا أقول لك كلمة، إن كنت صادقاً فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك، وإن كنت كاذباً فأنت أحقر من أن أرد عليك (٤). فكيف يشتبه أفضل الخلق وأكملهم بأنقص الخلق وأرذلهم، وما أحسن قول حسان (٥):

لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بديهته تأتيك بالخبر

وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين، إلا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور، واستحواذ الشياطين عليه ما ظهر لمن له أدنى تمييز، وما من أحدٍ ادّعى النبوة من الصادقين إلا وقد ظهر عليه من العلم والصدق والبر وأنواع الخيرات ما ظهر لمن له أدنى تمييز (٦).


(١) رواه أبو داود (٤٢٥٢)، والترمذي (٢٢١٩)، وابن ماجه (٣٩٥٢)، وأحمد (٥/ ٢٧٨) (٢٢٤٤٨)، والحاكم (٤/ ٤٩٦). من حديث ثوبان رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٩٠٦) - كما أشار لذلك في مقدمته -. وحسّنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (٣/ ٤٠٦) – كما أشار لذلك في مقدمته -. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(٢) ((لوامع الأنوار البهية)) (٢/ ٢٦٧).
(٣) ((شرح العقيدة الطحاوية)) (١/ ١٤٠).
(٤) انظر: ((تفسير البغوي)) (٧/ ٢٦٥)، و ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (١٦/ ٢١٠).
(٥) ونسبه ابن تيمية في ((الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح)) لعبدالله بن رواحة (٤/ ٣١٦)، انظر: تعليق محقق ((الطحاوية)) (١/ ١٤١).
(٦) ((شرح العقيدة الأصفهانية)) (ص٨٩)، وانظر: ((الجواب الصحيح)) (١/ ٢٩، ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>