للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: بشارة موسى]

لقد جاء بني إسرائيل الخبرُ اليقين بالنبيِّ الأميّ، على يد نبي الله موسى منذ أمد بعيد، جاءهم الخبر اليقين ببعثه، وبصفاته، ونهج رسالته، وبخصائص ملته، فهو النبي الأمي، وهو يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحلُّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، يضع عن من يؤمنون به من بني إسرائيل الأثقال والأغلال التي علم الله أنها ستفرض عليهم بسبب معصيتهم، فيرفعها عنهم النبي الأمي حين يؤمنون به، وأتباع هذا النبي يتقون ربهم، ويخرجون زكاة أموالهم ويؤمنون بآيات الله. . وجاءهم الخبر اليقين بأن الذين يؤمنون بهذا النبي الأمي، ويعظمونه ويوقرونه وينصرونه ويؤيدونه ويتبعون النور الذي أنزل معه (أولئك هم المفلحون).

قال تعالى: عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النبي الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: ١٥٦ - ١٥٧].

بقية هذه البشارة في التوراة:

وقد بقي من هذه البشارة بقية في التوراة، ففي سفر التثنية، الإصحاح (١٨) فقرة ١٨ - ١٩ قال الله لموسى: (أقيم لهم أي لبني إسرائيل نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع كلامي الذي يتكلّم به باسمي أنا أطالبه).

ودلالة هذه البشارة على رسولنا صلى الله عليه وسلم بيَّنه، ذلك أنّه من بني إسماعيل وهم إخوة بني إسرائيل، فجدُّهم هو إسحاق، وإسماعيل وإسحاق أخوان، ثم هو أوسط العرب نسباً، وقوله: مثلك، أي: صاحب شريعة مثل موسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي جعل الله كلامه في فمه حيث كان أميّاً لا يقرأ من الصحف، ولكنَّ الله يوحي إليه كلامه، فيحفظه ويرتله، وهو الرسول المرسل إلى الناس كافة، وبنو إسرائيل مطالبون باتباعه وترك شريعتهم لشريعته، ومن لم يفعل فإنَّ الله معذبه (ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه).

ومما يعرفنا أنَّ هذه البشارة هي بقية البشارة العظيمة التي أوحى الله بها إلى موسى، وأخبرنا بها القرآن الكريم، أن هذه البشارة وردت في موقف معين، فعندما اختار موسى من قومه سبعين رجلاً لميقات الله أخذتهم الرجفة، وذلك بسبب طلبهم رؤية الله جلَّ وعلا، فدعا موسى ربَّه وتوسل إليه، فبعثهم الله من بعد موتهم، قال الله بعد توسل موسى ودعائه عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ .. الآيات.

وإذا رجعت إلى التوراة في سفر الخروج تجد أنَّ هذه البشارة إنما أوحى الله بها إلى موسى بعد ذهابه لميقات الله، وتتحدث التوراة عن شيء قريب من الرجفة (وكل الشعب سمع الأصوات وصوت البوق، ونظروا الشهب والجبل دخاناً ونظر كل القوم وتشردوا ووقفوا من بعد .. ) سفر الخروج، الإصحاح (٢٠) فقرة: ١٨. (وكان جميع الشعب يرون الرعود والبروق، وصوت البوق والجبل يدخن، ولما رأى الشعب ارتعدوا ووقفوا من بعيد .. ). الرسل والرسالات لعمر الأشقر - ص ١٦٥

<<  <  ج: ص:  >  >>