للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: مرتبة الإسلام]

الإسلام لغة: هو الانقياد والخضوع والذل. يقال: أسلم واستسلم، أي انقاد (١).

الإسلام شرعا: له معنيان:

الأول: الانقياد والاستسلام لأمر الله الكوني القدري طوعا وكرها.

وهذا لا ثواب فيه. قال تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران: ٨٣]. أي خضع وانقاد (٢).

الثاني: إخلاص العبادة لله – عز وجل – وحده لا شريك له.

وهذا الإسلام هو الذي يحمد عليه العبد ويثاب (٣).

وقد عرفه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – بقوله: (هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله) (٤).

والإسلام بالمعنى الثاني ينقسم إلى عام وخاص:

العام: هو الدين الذي جاء به الأنبياء جميعا. وهو عبادة الله وحده لا شريك له.

والخاص: هو ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (لفظ الإسلام يجمع معنيين: أحدهما: الانقياد والاستسلام. والثاني: إخلاص ذلك، وإفراده .. وعنوانه قول: لا إله إلا الله. وله معنيان: أحدهما: الدين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له، الذي بعث به جميع الأنبياء، كما دل على اتحاد دينهم نصوص الكتاب والسنة.

والثاني: ما اختص به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين، والشرعة، والمنهاج .. وله مرتبتان:

إحداهما: الظاهر من القول والعمل. وهي المباني الخمسة.

والثانية: أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للباطن (٥).

فالحاصل أن الإسلام في شريعتنا لإطلاقه حالتان:

الحالة الأولى: أن يطلق على الإفراد غير مقترن بذكر الإيمان. فهو حينئذ يراد به الدين كله أصوله وفروعه من اعتقاداته وأقواله وأفعاله، كقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران: ١٩] وقوله: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: ٣].

وقوله: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: ٨٥]. ونحو ذلك من الآيات.

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ((بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء)) (٦).


(١) ((الصحاح)) (٥/ ١٩٥٢). و ((معجم مقاييس اللغة)) (٣/ ٩٠). و ((لسان العرب)) (١٢/ ٢٩٣). و ((القاموس المحيط)) (١٤٤٨).
(٢) ((تفسير البغوي)) (١/ ٣٢٣) و ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٥٠٣).
(٣) ((لسان العرب)) (١٢/ ٩٣٢). و ((معجم مفردات ألفاظ القرآن)) (٢٤٦). و ((الإيمان الأوسط لابن تيمية، المطبوع ضمن مجموع الفتاوى)) (٧/ ٦٣٥). و ((شرح الأصول الثلاثة لابن عثيمين)) (ص: ٦٤).
(٤) ((ثلاثة الأصول)) (ص: ٦٤) مع شرحها لابن عثيمين. ((أعلام السنة المنشورة)) (ص: ٣٣).
(٥) ((الإيمان الأوسط المطبوع ضمن مجموع الفتاوى)) (٧/ ٦٣٥). و ((مجموع الفتاوى)) (١/ ١٤) و (١٩/ ١١٧).
(٦) رواه مسلم (١٤٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>