للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرع الثاني: أدلة مرتبة الكتابة]

وهي أن الله تعالى كتب مقادير المخلوقات، والمقصود بهذه الكتابة، الكتابة في اللوح المحفوظ، وهو الكتاب الذي لم يفرط فيه الله من شيء، فكل ما جرى ويجري فهو مكتوب عند الله، وأدلة هذه المرتبة كثيرة نذكر منها:

أ- الأدلة من القرآن الكريم:

١ - قوله تعالى: مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ [الأنعام: ٣٨] على أحد الوجهين, وهو أن المقصود بالكتاب هنا اللوح المحفوظ، فالله أثبت فيه جميع الحوادث (١) , فكل ما يجري مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ.

٢ - وقال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء: ١٠٥]

(فأخبر تعالى أن هذا مكتوب مسطور في الكتب الشرعية والقدرية فهو كائن لا محالة) (٢) والآية دالة على مرتبة الكتابة عند من فسر الزبور بالكتب بعد الذكر, والذكر أم الكتاب عند الله وهو اللوح المحفوظ (٣).

٣ - وقال تعالى في قصة أسرى بدر: لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [الأنفال: ٦٨] أي: لولا كتاب سبق به القضاء والقدر عند الله أنه قد أحل لكم الغنائم, وأن الله رفع عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم العذاب, لمسكم العذاب (٤) فالآية دليل على الكتاب السابق.

٤ - وقال تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج: ٧٠] وهذه الآية من أوضح الأدلة الدالة على علمه المحيط بكل شيء, وأنه علم الكائنات كلها قبل وجودها, وكتب الله ذلك في كتابه اللوح المحفوظ (٥) فالآية جمعت بن المرتبتين.

٥ - وقال تعالى: وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [النمل:٧٥]. أي: خفية, أو سر من أسرار العالم العلوي والسفلي إلا في كتاب مبين قد أحاط ذلك الكتاب بجميع ما كان ويكون إلى أن تقوم الساعة, فما من حادث جلي أو خفي إلا وهو مطابق لما كتب في اللوح المحفوظ (٦) , فالآية دليل على الكتابة السابقة لكل ما سيقع.

٦ - وقال تعالى في آية جمعت بين مرتبتي العلم والكتابة: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [يونس: ٦١] فما يعزب عن ربك، أي: ما يغيب عن علمه, وبصره, وسمعه ومشاهدته أي شيء حتى مثاقيل الذر، بل ما هو أصغر منها، وهذه مرتبة العلم, وقوله: إِلاَّ فِي كِتَابٍ مرتبة الكتابة، وكثيراً ما يقرن الله سبحانه وتعالى بين هاتين المرتبتين (٧).

هذه بعض أدلة مرتبة الكتابة من القرآن، وننتقل إلى بيان بعض أدلتها من السنة.

ب- الأدلة من السنة:


(١) انظر: ((فتح البيان في مقاصد القرآن)) (٣/ ١٥٧). وانظر: ((تفسير ابن كثير)) (٣/ ٢٤٨). والوجه الثاني: أن المقصود بالكتاب القرآن، انظر: ((شفاء العليل)) (ص: ٤٠).
(٢) ((تفسير ابن كثير)) (٥/ ٣٧٩).
(٣) انظر: ((تفسير النسفي)) (٣/ ٢٥٧)، وانظر: ((تفسير ابن كثير)) (٥/ ٣٧٨).
(٤) انظر: ((تفسير ابن سعدي)) (٣/ ١٩١) تحقيق: محمد زهري النجار.
(٥) انظر: ((تفسير ابن كثير)) (٥/ ٤٤٨)، وانظر أيضاً: ((تفسير النسفي)) (٣/ ٣٨٩).
(٦) انظر: ((تفسير ابن سعدي)) (٥/ ٥٩٨).
(٧) انظر: ((تفسير ابن سعدي)) (٣/ ٣٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>