من المعلوم أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص، وهذا الذي عليه السلف. والزيادة إنما تحصل بالطاعة، والنقصان يحصل بالمعصية. والحديث هنا عن نقصان الإيمان وبيان أنه لا يعني انتفاءه بالكلية، وصاحبه إما أن يسمى فاسقاً أو عاصياً أو مؤمناً ناقص الإيمان، ولا يسلب عنه مطلق الإيمان وإن كان لا يوصف بالإيمان المطلق.
فامتناع السلف عن وصفه بالإيمان المطلق؛ لأن هذا الوصف هو مناط دخول الجنة والنجاة من النار. ثم إن الفاسق مستحق للوعيد؛ لما اقترفه من المعاصي، أو لما ترك من الواجبات، كما أنه مستحق للوعد بما معه من إيمان.
وخلاصة ما ذهب إليه السلف فيما يسمى (الفاسق الملي) أنه مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، هذا من حيث التسمية في أحكام الدنيا.
أما حكمه في الآخرة، فهو تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له وأدخله الجنة من أول وهلة، وإن شاء أدخله النار، ثم أخرجه منها.
والذي يقطع به بالنسبة لحكمه في الدار الآخرة هو أنه إذا دخل النار، ولبث فيها ما شاء الله أن يلبث، فلابد أن يخرج منها بسبب من الأسباب ثم يدخل الجنة (١).
وقد خالف في هذه المسائل جميعاً كثير من الفرق وعلى رأسها الخوارج والمعتزلة في طرف، والمرجئة في طرف ثان.
وأصل مقالتهم في الإيمان أنه شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، ولا يذهب بعضه ويبقى بعضه، بل إذا زاد، فإنه يزيد جميعه، وإذا زال بعضه، زال جميعه. وقالوا: لأن الإيمان حقيقة مركبة، والحقيقة المركبة تزول بزوال بعض أجزائها. الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه لعبد الرزاق بن طاهر معاش – ص: ١٤٤