للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب السابع: آخر من يدخل الجنة]

حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - قصة آخر رجل يخرج من النار ويدخل الجنة، وما جرى من حوار بينه وبين ربه، وما أعطاه الله من الكرامة العظيمة التي لم يُصدّق أن الله أكرمه بها لعظمها، وقد جمع ابن الأثير روايات هذا الحديث في (جامع الأصول)، ومنه نقلنا هذه الأحاديث:

١ - عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ((إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة: رجل يخرج من النار حبواً، فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب، وجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا، وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخر بي – أو أتضحك بي – وأنت الملك؟ قال: فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت نواجذه، فكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة)) أخرجه البخاري ومسلم (١).

ولمسلم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً من النار: رجل يخرج منها زحفا، فيقال له: انطلق فادخل الجنة، قال: فيذهب فيدخل الجنة، فيجد الناس قد أخذوا المنازل، فيقال له: أتذكر الزمان الذي كنت فيه؟ فيقول: نعم، فيقال له: تمنَّ، فيتمنى فيقال له: لك الذي تمنيت، وعشرة أضعاف الدنيا، فيقول: أتسخر بي وأنت الملك؟ قال: فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك حتى بدت نواجذه)) (٢). وفي رواية الترمذي مثل هذه التي لمسلم (٣).

٢ - عن عبدالله بن مسعود رضي الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة، ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين، فترفع له شجرة، فيقول: يا رب، أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها؟ فيقول: لا، يا رب ويعاهده أن لا يسأله غيرها، قال: وربه عز وجل يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب، أدنني من الشجرة لأشرب من مائها وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها فيقول: يا ابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه تعالى يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة، وهي أحسن من الأوليين، فيقول: أي رب أدنني من هذه لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى، يا رب لا أسألك غيرها – وربه عز وجل يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة فيقول: أي رب أدخلنيها، فيقول: يا ابن آدم، ما يصريني منك، أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب، أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فضحك ابن مسعود، فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ فقال: من ضحك رب العالمين، حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر)) أخرجه مسلم (٤)

وهذا الحديث هكذا أخرجه الحميدي وحده في أفراد مسلم، والذي قبله في المتفق عليه، وقال: إنما أفردناه للزيادة التي فيه.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أدنى أهل الجنة منزلة: رجل صرف الله وجهه عن النار قِبل الجنة، ومثل له شجرة ذات ظل، فقال: أي رب، قدمني إلى هذه الشجرة لأكون في ظلها وساق الحديث بنحو حديث ابن مسعود، ولم يذكر: فيقول: يا ابن آدم، ما يصريني منك؟. . إلى آخر الحديث)). وزاد فيه: ((ويذكره الله، سل كذا وكذا، فإذا انقطعت به الأماني، قال الله: هو لك وعشرة أمثاله، قال: ثم يدخل بيته، فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين، فيقولان: الحمد لله الذي أحياك لنا، وأحيانا لك، قال: فيقول: ما أعطي أحد مثل ما أعطيت)) أخرجه مسلم هكذا عقيب حديث ابن مسعود. (٥) الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر- ص١٣٥


(١) رواه البخاري (٦٥٧١)، ومسلم (١٨٦).
(٢) رواه مسلم (١٨٦). من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
(٣) رواه الترمذي (٢٥٩٥). من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(٤) رواه مسلم (١٨٧).
(٥) رواه مسلم (١٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>