للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[واحد وثلاثون: الآثار الإيمانية لأسماء الله الملك – المالك - المليك]

١ - إن الملك الحقيقي لله وحده لا يشركه فيه أحد، وكل من ملك شيئا فإنما هو بتمليك الله له، قال صلى الله عليه وسلم ((لا مالك إلا الله)) (١) وفي رواية ((لا ملك إلا الله)) (٢) (٣).

وقد يسمى بعض المخلوقين ملكا، إذا اتسع ملكه إلا أن الذي يستحق هذا الاسم هو الله جل وعز لأنه مالك الملك، وليس ذلك لأحد غيره، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

فالمخلوقات لا تملك شيئا، وقد أنكر تعالى على المشركين الذين عبدوا هذه المخلوقات التي هي مثلهم في الضعف والعبودية لله تعالى وأنها لا تملك من السماوات والأرض شيئاً ولا مثقال ذرة ولا تنفع أحداً ولا تضره.

قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ [النحل: ٧٣].

وقال سبحانه قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ [المائدة: ٧٦].

وقال سبحانه: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ: ٢٢].

وقال سبحانه: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [فاطر: ١٣].

فالله تبارك وتعالى هو المالك لخزائن السماوات والأرض، بيده الخير، يرزق من يشاء، وهو المالك للموت والحياة والنشور، والنفع والضر وإليه يرجع الأمر كله، فهو المالك لجميع الممالك، العلوية والسفلية وجميع من فيهما مماليك لله فقراء مدبرون.

وهو سبحانه كل يوم هو في شأن يتصرف في ملكوته كيف يشاء، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرَّحمن: ٢٩] قال: ((من شأنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويخفض آخرين)) (٤). قال تعالى: يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:٢٤٧].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا الدهر فإن الله عز وجل قال: أنا الدهر، الأيام والليالي لي، أجددها وأبليها، وآتي بملوك بعد ملوك)) (٥).

ولكن من الناس من يطغى ويظن أنه المالك الحقيقي وينسى أنه مستخلف فقط فيما آتاه الله من ملك ومال وجاه وعقار، فيتكبر ويتجبر ويظلم الناس بغير حق، كما حكى الله سبحانه عن فرعون عليه لعنة الله الذي نسى نفسه وضعفها وزعم لنفسه الملك بل والألوهية، قال تعالى عنه: وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الزُّخرف: ٥١].

وهذا كقوله تعالى: فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات: ٢٣ - ٢٤].


(١) رواه مسلم (٢١٤٣). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه مسلم (٢١٤٣). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) ((فتح القدير)) (١/ ٢٢).
(٤) رواه ابن ماجه (١٦٨)، والبزار (١٠/ ٣٩)، والطبراني في الأوسط (٣/ ٢٧٨) (٣١٤٠). وحسن إسناده البزار، والبوصيري في ((زوائد ابن ماجه)) (١/ ٢٩).
(٥) رواه أحمد (٢/ ٤٩٦) (١٠٤٤٢)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (٤/ ٣١٦). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٨/ ٧٤): رجاله رجال الصحيح، وصحح إسناده ابن حجر في ((فتح الباري)) (١٠/ ٥٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>