للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: استخراج ذرية آدم من ظهره بعد خلقه وقسمهم إلى فريقين: أهل الجنة وأهل النار]

وأخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن الله مسح ظهر آدم بعد خلقه له، واستخرج ذريته من ظهره أمثال الذر، واستخرج منهم أهل الجنة وأهل النار. روى مالك والترمذي وأبو داود عن مسلم بن يسار قال: سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن هذه الآية: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنا كُنا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف: ١٧٢]. قال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل عنها فقال: ((إن الله خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون)). فقال رجل: ففيم العمل يا رسول الله؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخله الله الجنة. وإذا خلق الله العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار، فيدخله الله النار)) (١). وروى الإمام أحمد في (مسنده) بإسناد صحيح إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان - يعني عرفه - فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قُبُلاً قال: أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنا كُنا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف: ١٧٢ - ١٧٣])) (٢). وروى أحمد في (مسنده) بإسناد صحيح عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خلق الله آدم حين خلقه، فضرب كتفه اليمنى، فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى، فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي، وقال للذي في كَفِّه اليسرى: إلى النار ولا أبالي)) (٣) وبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: ((أنَّ الله - عز وجل - خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل)) فلذلك أقول جفَّ القلم على علم الله. رواه الترمذي عن عبدالله بن عمرو (٤). الإيمان بالقضاء والقدر لعمر بن سليمان الأشقر - ص٣٧


(١) رواه أبو داود (٤٧٠٣)، والترمذي (٣٠٧٥)، ومالك (٢/ ٨٩٨). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وبين عمر رجلاً مجهولاً. وحسنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (١/ ٩٧) - كما أشار لذلك في مقدمته - وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(٢) رواه أحمد (١/ ٢٧٢) (٢٤٥٥). والحديث رواه الحاكم (١/ ٨٠) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبر. ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (١/ ٨٣): إسناده جيد قوي على شرط مسلم. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٧/ ٢٨): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (١٦٢٣) بعد ذكره لكلام الحاكم والذهبي: وحقهما أن يقيداه بأنه على شرط مسلم، فإن كلثوم بن جبر من رجاله وسائرهم من رجال الشيخين. وقال محققه شعيب الأرناؤوط: رجاله ثقات رجال الشيخين غير كلثوم بن جبر من رجال مسلم وثقه أحمد وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائي ليس بالقوي.
(٣) رواه أحمد (٦/ ٤٤١) (٢٧٥٢٨). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٧/ ١٨٨): رواه أحمد والبزار والطبراني ورجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٤٩): صحيح.
(٤) رواه الترمذي (٢٦٤٢). وقال: هذا حديث حسن. ووافقه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (٥/ ٣١٦). وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>