للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة الأولى: هل المراد بالحديث حصر الأسماء الحسنى في هذا العدد؟]

((لله تسعة وتسعون اسماً مائة إلا واحدة)) هل المراد به حصر الأسماء الحسنى في هذا العدد, أو أنها أكثر من ذلك، ولكن اختصت هذه بأن من أحصاها دخل الجنة؟

فذهب جمهور العلماء إلى الثاني، ونقل النووي اتفاق العلماء عليه، وقال: ليس في الحديث حصر أسماء الله تعالى, وليس معناه أنه ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث: أن هذه الأسماء من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء.

وقال أبو سليمان حمد الخطابي: إنما هو بمنزلة قولك إن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة، وكقولك: إن لعمرو مائة ثوب من زاره خلعها عليه، وهذا لا يدل على أنه ليس عنده من الدراهم أكثر من ألف درهم، ولا من الثياب أكثر من مائة ثوب، وإنما دلالته أن الذي أعده زيد من الدراهم للصدقة ألف درهم، وأن الذي أرصده عمرو من الثياب للخلع مائة, والذي يدل على صحة هذا التأويل حديث عبد الله بن مسعود وقد ذكره محمد بن إسحاق بن خزيمة في المأثور:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: ((اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك, أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك .. إلخ)) (١). فهذا يدلك على أن لله أسماء لم ينزلها في كتابه، حجبها عن خلقه، ولم يظهرها لهم. اهـ (٢).

وقال شيخ الإسلام كما في (مجموع الفتاوى) (٦/ ٣٨١) بعد نقله كلام الخطابي: وأيضاً فقوله: ((إن لله تسعة وتسعون)) تقيده بهذا العدد، بمنزلة قوله تعالى: تِسْعَةَ عَشَرَ فلما استقلوهم قال: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر: ٣١]. فأن لا يعلم أسماءه إلا هو أولى اهـ.

وقال في (درء تعارض العقل والنقل) (٣/ ٣٣٢) والصواب الذي عليه الجمهور أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة)) (٣) معناه: أن من أحصى التسعة والتسعين من أسمائه دخل الجنة، ليس مراده أنه ليس له إلا تسعة وتسعون اسماً، ثم ذكر حديث عبد الله بن مسعود السابق (٤).

وقال: وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخط, وبمعافاتك من عقوبتك, وبك منك لا أحصي ثناء عليك, أنت كما أثنيت على نفسك)) (٥).

فأخبر أنه صلى الله عليه وسلم لا يحصى ثناء عليه، ولو أحصى جميع أسمائه لأحصى صفاته كلها, فكان يحصى الثناء عليه لأن صفاته إنما يعبر عنها بأسمائه.


(١) رواه أحمد (١/ ٣٩١) (٣٧١٢) والطبراني (١٠/ ١٦٩) وابن حبان (٣/ ٢٥٣) والحاكم (١/ ٦٩٠). من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ١٨٩): رجاله رجال الصحيح غير أبي سلمة الجهني وقد وثقه ابن حبان , وصححه ابن القيم في ((شفاء العليل)) (٢/ ٧٤٩) وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (٥/ ٢٦٧)) إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (١٩٩).
(٢) ((شأن الدعاء)) (ص: ٢٤).
(٣) رواه البخاري (٦٤١٠)، ومسلم (٢٦٧٧).
(٤) الحديث رواه أحمد (١/ ٣٩١) (٣٧١٢) والطبراني (١٠/ ١٦٩) وابن حبان (٣/ ٢٥٣) والحاكم (١/ ٦٩٠). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ١٨٩): رجاله رجال الصحيح غير أبي سلمة الجهني وقد وثقه ابن حبان , وصححه ابن القيم في ((شفاء العليل)) (٢/ ٧٤٩) وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (٥/ ٢٦٧)) إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (١٩٩).
(٥) رواه مسلم (٤٨٦). من حديث عائشة رضي الله عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>