للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: النصرة والتقدير]

اتضح لنا عند ذكر واجبات الإمام عظم المسئولية الملقاة على عاتقه، ومنها محاربته للفساد والمفسدين، وهذه تجعله في خطر منهم، لذلك فعلى الأمة أن تقوم بجانبه وتساعده على نوائب الحق، ولا تُسْلِمُه لأعدائه المفسدين سواء كانوا داخل الدولة الإسلامية أو خارجها، يدل على ذلك ما يلي:

١ - قول الله عز وجل: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ... [المائدة: ٢] ولا شك أن معاضدة الإمام الحق ومناصرته من البر الذي يترتب عليه نصرة الإسلام والمسلمين.

٢ - يدل على ذلك أيضًا ما رواه عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا رقبة الآخر ... )) الحديث (١).

قال أبو يعلى: (وإذا قام الإمام بحقوق الأمة وجب له عليهم حقان الطاعة والنصرة ما لم يوجد من جهته ما يخرج به عن الإمامة) (٢) ...

ولذلك شرع قتال أهل البغي إذا بدؤوا بقتال الإمام العادل بدون تأويل سائغ، كما شرع حد الحرابة في قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ... [المائدة: ٣٣].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إذا طلبهم - أي المحاربين - السلطان أو نوابه لإقامة الحد بلا عدوان فامتنعوا عليه، فإنه يجب على المسلمين قتالهم باتفاق العلماء حتى يقدر عليهم كلهم) (٣).

وللموضوع تفصيلات كثيرة مذكورة في كتب الفقه ليس هذا مقام تفصيلها ... كما أن على المسلمين احترام الإمام العادل وتقديره والدعاء له وعدم إهانته حتى يكون له مهابة عند ضعاف النفوس، فيرتدعون عما تمليه عليهم عواطفهم وشهواتهم يدل على ذلك ما يلي:

١ - ما روي عن زياد بن كسيب العدوي قال: ((كنت مع أبي بكرة - رضي الله عنه - تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق، فقال أبو بكرة: اسكت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله)) (٤).

٢ - وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)) (٥).

وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: (ما مشى قوم إلى سلطان الله في الأرض ليذلوه إلا أذلهم الله قبل أن يموتوا) (٦).


(١) [١٣٢٥٥])) رواه مسلم (١٨٤٤).
(٢) [١٣٢٥٦])) ((الأحكام السلطانية)) لأبي يعلى (ص: ٢٨).
(٣) [١٣٢٥٧])) ((السياسة الشرعية)) (ص: ٨٥).
(٤) [١٣٢٥٨])) رواه الترمذي (٢٢٢٤)، وأحمد (٥/ ٤٢) (٢٠٤٥٠)، والبيهقي (٨/ ١٦٣) (١٧١٠٢). قال الترمذي: حسن غريب، وقال البغوي في ((شرح السنة)) (٥/ ٣٠٦): مرفوع بإسناد غريب، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٥/ ٢١٨): رجال أحمد ثقات.
(٥) [١٣٢٥٩])) رواه أبو داود (٤٨٤٣)، والبيهقي (٨/ ١٦٣) (١٦٤٣٥). والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٤٩٧) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وقال النووي في ((الترخيص بالقيام)) (٥٦): إسناده كلهم عدول معروفون إلا أبا كنانة وهو مشهور، ولا نعلم أحداً تكلم فيه، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٤/ ٤٢٦) كما قال ذلك في المقدمة.
(٦) [١٣٢٦٠])) ((شرح السنة)) للبغوي (١٠/ ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>