للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[- الرحمن، الرحيم، الكريم، الأكرم]

قال الله تعالى: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:٢ - ٣] الآيات، وقال تعالى: وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل:٤٠]، وقال سبحانه: وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ [آل عمران:٣٠] قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى: الرحمن، الرحيم، والبر، الكريم، الجواد، الروءف، الوهاب – هذه الأسماء تتقارب معانيها، وتدل كلها على اتصاف الرب، بالرحمة، والبر، والجود، والكرم، وعلى سعة رحمته ومواهبه التي عمَّ بها جميع الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته وخص المؤمنين منها، بالنصيب الأوفر، والحظ الأكمل، قال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ [الأعراف:١٥٦] الآية والنعم والإحسان، كله من آثار رحمته، وجوده، وكرمه وخيرات الدنيا والآخرة، كلها من آثار رحمته (١) وقال ابن تيمية رحمه الله في تفسير قوله تعالى: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:١ - ٣] سمَّى ووصف نفسه بالكرم، وبأنه الأكرم بعد إخباره أنه خلق ليتبين أنه ينعم على المخلوقين ويوصلهم إلى الغايات المحمودة كما قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [الأعلى:٢ - ٣]، قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:٥٠]، الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ [الشعراء:٧٨] فالخلق يتضمن الابتداء والكرم تضمن الانتهاء كما قال في سورة الفاتحة رَبِّ الْعَالَمِينَ ثم قال الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ولفظ الكرم جامع للمحاسن والمحامد لا يراد به مجرد الإعطاء بل الإعطاء من تمام معناه، فإن الإحسان إلى الغير تمام والمحاسن والكرم كثرة الخير ويُسْرَتِه والله سبحانه أخبر أنه الأكرم بصيغة التفضيل والتعريف لها فدل على أنه الأكرم وحده بخلاف لو قال (وربك أكرم) فإنه لا يدل على الحصر وقوله الأَكْرَمُ يدل على الحصر ولم يقل ((الأكرم من كذا)) بل أطلق الاسم، ليبين أنه الأكرم مطلقاً غير مقيد فدل على أنه متصف بغاية الكرم الذي لا شيء فوقه ولا نقص فيه (٢) شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة لسعيد بن علي بن وهف القحطاني - ص١١٠

(الرحمن الرحيم) اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة, ورحمن أشد مبالغة من رحيم فالرحمن يدل على الرحمة العامة كما قال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:٥] والرحيم يدل على الرحمة الخاصة بالمؤمنين كما قال تعالى: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب:٤٧] ذكره ابن جرير بسنده عن العزرمي بمعناه وفي الدعاء المأثور ((رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما)) (٣) , والظاهر المفهوم من نصوص الكتاب والسنة أن اسمه الرحمن يدل على الصفة الذاتية من حيث اتصافه تعالى بالرحمة, واسمه الرحيم يدل على الصفة الفعلية من حيث إيصاله الرحمة إلى المرحوم, فلهذا قال تعالى: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب:٤٣] إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:١١٧] ولم يأت قط إنه بهم رحمن, ووصف نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه رؤوف رحيم فقال تعالى: حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:١٢٨] ولم يصف أحدا من خلقه أنه رحمن فتأمل ذلك, والله أعلم معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي - ص٧٨


(١) ((تفسير السعدي)) (٥/ ٦٢١).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (١٦/ ٢٩٣ - ٢٩٦) بتصرف يسير.
(٣) رواه الطبراني في ((المعجم الصغير)) بدون لفظة ((ورحيمهما)) (١/ ٣٣٦). وذكره المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٣/ ٥٥) بلفظة ((ورحيمهما)). من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ١٨٦): رواه الطبراني في ((الصغير)) ورجاله ثقات وقال المنذري: رواه الطبراني في ((الصغير)) بإسنادٍ جيد، وحسنه الألباني في ((صحيح الترغيب والترهيب)) (١٨٢١). والحديث بلفظه قد رواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (٢٠/ ١٥٤). من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه. بسند فيه ضعف.

<<  <  ج: ص:  >  >>