للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: أنوع التحريف]

التحريف نوعان النوع الأول: تحريف اللفظ:

وتعريفه: هو العدول باللفظ عن جهته إلى غيرها، وله أربع صور:

١ - الزيادة في اللفظ.

٢ - النقصان في اللفظ.

٣ - تغيير حركة إعرابية.

٤ - تغيير حركة غير إعرابية.

ومن أمثلة تحريف اللفظ:

المثال الأول: تحريف إعراب قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: ١٦٤] من الرفع إلى النصب، وقال: وَكَلَّمَ الله أي موسى كلم الله، ولم يكلمه الله، ولما حرفها بعض الجهمية هذا التحريف قال له بعض أهل التوحيد: فكيف تصنع بقوله: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف: ١٤٣] فبهت المحرف.

مثال آخر: إن بعض المعطلة سأل بعض أئمة العربية: هل يمكن أن يقرأ العرش بالرفع في قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى [طه: ٥] وقصد بهذا التحريف أن يكون الاستواء صفة للمخلوق لا للخالق (١).

النوع الثاني: تحريف المعنى:

وتعريفه: هو صرف اللفظ عن معناه الصحيح إلى غيره مع بقاء صورة اللفظ (٢). أو نقول: تعريفه: هو العدول بالمعنى عن وجهه وحقيقته، وإعطاء اللفظ معنى لفظ آخر بقدر ما مشترك بينهما.

وهذا النوع هو الذي جال فيه أهل الكلام من المعطلة وصالوا, وتوسعوا وسموه تأويلاً، وهو اصطلاح فاسد حادث لم يعهد به استعمال في اللغة (٣).

ومن أمثلة تحريف المعنى:

كقول المعطلة في معنى استوى: استولى في قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى [طه: ٥].

وفي معنى اليد في قوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: ٦٤] النعمة والقدرة.

وفي معنى المجيء في قوله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر: ٢٢] وجاء أمر ربك.

وقد ذكر الله التحريف وذمه حيث ذكره، وهو مأخوذ في الأصل عن اليهود، فهم الراسخون فيه، وهم شيوخ المحرفين وسلفهم، فإنهم حرفوا كثيراً من ألفاظ التوراة, وما غلبوا عن تحريف لفظه حرفوا معناه؛ ولهذا وصفوا بالتحريف في القرآن دون غيرهم من الأمم.

وقد درج على آثارهم الرافضة؛ فهم أشبه بهم من القذة بالقذة، وكذلك الجهمية؛ فإنهم سلكوا في تحريف النصوص مسالك إخوانهم في اليهود (٤).

وأصحاب تحريف الألفاظ شر من أصحاب تحريف المعنى من وجه.

وأصحاب تحريف المعنى شر من أصحاب تحريف اللفظ من وجه.

فأصحاب تحريف اللفظ عدلوا باللفظ والمعنى جميعاً عما هما عليه, فأفسدوا اللفظ والمعنى، بينما أصحاب تحريف المعنى أفسدوا المعنى وتركوا اللفظ على حاله فكانوا خيراً من أولئك من هذا الوجه.

فأصحاب تحريف اللفظ لما أرادوا المعنى الباطل حرفوا له لفظاً يصلح له لئلا يتنافر اللفظ والمعنى، بحيث إذا أطلق ذلك اللفظ المحرف فهم منه المعنى المحرف، فإنهم رأوا أن العدول بالمعنى عن وجهه وحقيقته مع بقاء اللفظ على حاله مما لا سبيل إليه، فبدأوا بتحريف اللفظ ليستقيم لهم حكمهم على المعنى الذي قصدوا (٥).

وأما كون أصحاب تحريف المعنى شراً من أصحاب تحريف اللفظ من وجه؛ فلأن تحريف المعنى هو الأكثر استعمالاً عند أصحاب التحريف؛ ولأنه أسهل رواجاً وسوقاً عند الجهلة والعوام من الناس، فيفتتن به من ليس لديه زاد من العلم الصحيح المعتمد على الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة. معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات لمحمد بن خليفة التميمي– ص: ٥٩


(١) ((الصواعق المرسلة)) (١/ ٢١٨).
(٢) ((الصواعق المنزلة)) (١/ ٢٠١).
(٣) ((مختصر الصواعق)) (٢/ ١٤٧).
(٤) ((الصواعق المرسلة)) (١/ ٢١٥ - ٢١٦).
(٥) ((مختصر الصواعق)) (٢/ ١٤٧، ١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>