للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: الأدلة على أن الإيمان مركب من شعب]

فإنه من القواعد المقررة والأصول المعتبرة، في عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان مركب من شعب وأجزاء. وهذه الشعب والأجزاء التي يتكون منها الإيمان تتفاوت وتتفاضل. وأهل الإيمان يتفاضلون أيضا بما قام لديهم من إيمان ويقين، وبما يقومون به من البر والتقوى وموافقة الأولى، وترك ما نهى عنه الله تعالى من المنهيات المحرمات منها والمكروهات وما يتردد بينهما من المتشابهات؛ استبراء للدين والعرض ونيلا للدرجات العلى.

والتفاضل عند أهل السنة والجماعة يشمل الإيمان والأعمال أيضا، فيتفاضل الإيمان الذي قام بالقلب ويتفاضل ما يقام به بالجوارح والإيمان يتفاضل ما يقام به بالجوارح والإيمان يتفاضل بحسب ما يقوم به صاحبه من واجباته. وهذه الواجبات يتنوع بتنوع الناس فيه؛ ثم إن قدرهم في أداء الواجب متفاوتة بين مقل فيه ومكثر. ومعرفة أهل الإيمان بهذه الواجبات تختلف بالإجمال والتفصيل في المعرفة بها. وقوة تلك المعرفة وضعفه ودوام الحضور والغفلة، فليست المعرفة المفصلة المستحضرة الثابتة التي يثبت الله صاحبها بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. كالمجملة التي غفل عنها؛ وكذلك بحسب ما تقوم بالقلب من أحوال وأعمال ومقامات من محبة الله ورسوله وخشية الله، والتوكل عليه والصبر على حكمه، والشكر له والإنابة إليه، وإخلاص العمل له لما يتفاضل الناس فيها تفاضلا لا يعرف قدره إلا الله عز وجل، ومن أنكر تفاضل أهل الإيمان في الإيمان والأعمال فهو إما جاهل لم يتصوره وإما معاند (١).

والأدلة من الكتاب والسنة على ذلك كثيرة:

أ- فمن أدلة الكتاب ما ذكره الإمام البخاري في صحيحه بقوله: "باب أمور الإيمان وقول الله تعالى: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: ١٧٧].

وهذه الآية من أجمع الآيات في ذكر شعب الإيمان فقد ذكر الله تعالى فيها من شعب الإيمان: ١ - الإيمان بالله. ٢ - الإيمان باليوم الآخر. ٣ - الإيمان بالملائكة. ٤ - الإيمان بالكتب. ٥ - الإيمان بالنبيين. ٦ - صرف المال في الصدقات بطيب النفس وحبا في حصول الأجر والثواب على الأصناف الستة المذكورة في الآية. ٧ - إقامة الصلاة. ٨ - إيتاء الزكاة. ٩ - الوفاء بالعهد. ١٠ - الصبر في البأساء والضراء وحين البأس.

وقد شهد الله تعالى لمن أتى بهذه الشعب بالصدق والتقوى فقال جل جلاله: أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: ١٧٧].


(١) ((مجموع الفتاوى/الإيمان)) (٧/ ٤٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>