للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث التاسع: عدم الحرص عليها]

وقد نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذا الشرط، وجعل الحرص عليها بغير مصلحة شرعية تهمة يعاقب عليها بمنعه منها. والأدلة على هذا الشرط كثيرة منها:

١ - عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة، فإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها)) (١).

٢ - وعن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا ورجلان من قومي فقال أحد الرجلين: أَمِّرنا يا رسول الله، وقال الآخر مثله، فقال: ((إنا لا نُوَلِّي هذا من سأله ولا من حرص عليه)) (٢).

ولذلك قال سفيان الثوري رحمه الله: (إذا رأيت الرجل يحرص على أن يؤَمَّر فأخِّرْه) (٣) أما إذا كان في تقديم الإنسان نفسه مصلحة شرعية كأن يكون أهلاً لهذا المنصب فيموت الوالي ولا يوجد غيره، وخشي من التأخر الفتنة والضياع، فله أن يقدم نفسه بنية المصلحة الشرعية لا بنية الحرص عليها، قال الحافظ ابن حجر: (وهذا لا يخالف ما فرض في الحديث الذي قبله من الحصول بالطلب أو بغير طلب، بل في التعبير. بـ (حرص) إشارة إلى أن من قام بالأمر عند خشية الضياع يكون كمن أُعْطى بغير سؤال، لفقد الحرص غالبًا عمن هذا شأنه، وقد يغتفر الحرص في حق من تعين عليه لكونه يصير واجبًا عليه) (٤). ...

هذا وقد سأل الولاية بعض الأنبياء المصطفين عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام حينما رأوا أنهم أكفأ من يقوم بها، ولخطورة ما يترتب عليها لو وضعت في يد غير أمينة، فهذا يوسف عليه السلام يقول للملك: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: ٥٥] وهذا سليمان عليه السلام يسأل الله عز وجل الولاية فيقول: قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ... [ص: ٣٥] الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبدالله بن عمر الدميجي - بتصرف– ص ٢٦٤


(١) [١٣٠١٨])) رواه البخاري (٦٦٢٢)، ومسلم (١٦٥٢).
(٢) [١٣٠١٩])) رواه البخاري (٣١٩٤).
(٣) [١٣٠٢٠])) رواه ابن الجعد في مسنده (ص: ٢٦٩).
(٤) [١٣٠٢١])) ((فتح الباري)) (١٣/ ١٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>