للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: أشاعرة وافقوا السلف]

ثمة طائفة من الأشاعرة وافقت السلف في الإيمان، كأبي علي الثقفي، وأبي العباس القلانسي. قال شيخ الإسلام: (فأما أبو العباس القلانسي وأبو على الثقفي وأبو عبد الله بن مجاهد شيخ القاضي أبي بكر وصاحب أبي الحسن، فإنهم نصروا مذهب السلف.

وابن كلاب نفسه، والحسين بن الفضل البجلي ونحوهما، كانوا يقولون: هو التصديق والقول جميعاً، موافقة لمن قاله من فقهاء الكوفيين، كحماد بن أبى سليمان ومن اتبعه مثل أبى حنيفة وغيره) (١).

وقال: (قال أبو القاسم الأنصاري شيخ الشهرستاني في شرح الإرشاد لأبي المعالي، بعد أن ذكر قول أصحابه، قال: وذهب أهل الأثر إلى أن الإيمان جميع الطاعات، فرضها ونفلها، وعبروا عنه بأنه إتيان ما أمر الله به فرضا ونفلا، والانتهاء عما نهى عنه تحريما وأدبا، قال: وبهذا كان يقول أبو علي الثقفي من متقدمي أصحابنا، وأبو العباس القلانسي، وقد مال إلى هذا المذهب أبو عبد الله بن مجاهد. قال: وهذا قول مالك بن أنس إمام دار الهجرة، ومعظم أئمة السلف رضوان الله عليهم أجمعين) (٢).

وقال ابن السبكي: (وإلى مذهب السلف ذهب الإمام الشافعي ومالك وأحمد والبخاري وطوائف من أئمة المتقدمين والمتأخرين. ومن الأشاعرة: الشيخ أبو العباس القلانسي، ومن محققيهم الأستاذ أبو منصور البغدادي، والأستاذ أبو القاسم القشيري، وهؤلاء يصرحون بزيادة الإيمان ونقصانه ... ) (٣).

القول المعتمد عند الأشاعرة:

وأعني بذلك ما استقر عليه المذهب الأشعري، ودوَّنه المتأخرون في كتبهم، مما أصبح يدرَّس في كثير من الجامعات والمعاهد، بغض النظر عن رأي الأشعري، أو المتقدمين من أصحابه.

وحاصل ما ذهبوا إليه: أن الإيمان هو التصديق بالقلب، وأن قول اللسان شرط لإجراء الأحكام في الدنيا، وأن عمل الجوارح شرط كمال في الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص.

وهذه بعض النقولات التي توضح مذهبهم:

قال الجرجاني في شرح المواقف: (المقصد الأول في حقيقة الإيمان: اعلم أن الإيمان في اللغة) هو (التصديق) مطلقا (قال تعالى حكاية عن إخوة يوسف: وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا [يوسف:١٧] أي بمصدق فيما حدثناك به، وقال عليه الصلاة والسلام: «الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ» أي تصدق)، ويقال: فلان يؤمن بكذا، أي يصدقه ويعترف به. (وأما في الشرع وهو متعلق ما ذكرنا من الأحكام) يعني الثواب على التفاصيل المذكورة (فهو عندنا) يعني أتباع الشيخ أبي الحسن (وعليه أكثر الأئمة كالقاضي والأستاذ) ووافقهم على ذلك الصالحي وابن الراوندي من المعتزلة (التصديق للرسول فيما علم مجيئه به ضرورة، تفصيلا فيما علم تفصيلا وإجمالا فيما علم إجمالا) فهو في الشرع تصديق خاص (وقيل:) الإيمان (هو المعرفة تقوم بالله) وهو مذهب جهم بن صفوان) انتهى (٤).

وقال الشيخ إبراهيم اللقاني في جوهرة التوحيد:

وفُسِّر الإيمان بالتصديقِ ... والنطقُ فيه الخُلْفُ بالتحقيقِ

فقيل شرط كالعملْ وقيل بلْ ... شطرٌ والإسلام اشرحنَّ بالعملْ

مثال هذا الحج والصلاةُ ... كذا الصيام فادْرِ والزكاةُ

ورُجِّحت زيادةُ الإيمانِ ... بما تزيدُ طاعةُ الإنسانِ


(١) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ١١٩).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ١٤٣) وما بعدها، وقد نقله شيخ الإسلام في ((التسعينية)) أيضا (٢/ ٦٥٩) وعقب عليه بقوله: (فإنه ليس الغرض هنا ذكر أقوال السلف والأئمة، واعتراف هؤلاء بما اجترءوا عليه من مخالفة السلف والأئمة وأهل الحديث في الإيمان، مع علمهم بذلك، لما عنت لهم من شبهة الجهمية والمرجئة).
(٣) ((طبقات الشافعية الكبرى)) (١/ ١٣٠).
(٤) ((شرح المواقف)) (٨/ ٣٥١)، وانظر: ((المواقف)) للإيجي (ص٣٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>