للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقصُه بنقصهِ وقيلَ لا ... وقِيل لا خُلْفَ كذا قَد نُقِلا

وقال ابنه الشيخ عبد السلام في شرحه المسمى بإتحاف المريد: (وفُسِّر الإيمان) أي حدَّه جمهور الأشاعرة والماتريدية وغيرهم (بالتصديق) المعهود شرعا، وهو تصديق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما علم مجيئه به من الدين بالضرورة، أي فيما اشتهر بين أهل الإسلام وصار العلم به يشابه العلم الحاصل بالضرورة، بحيث يعلمه العامة من غير افتقار إلى نظر واستدلال، وإن كان في أصله نظريا، كوحدة الصانع، ووجوب الصلاة ونحوها، ويكفي الإجمال فيما يلاحظ إجمالا كالإيمان بغالب الأنبياء والملائكة، ولابد من التفصيل فيما يلاحظ كذلك، وهو أكمل من الأول، كالإيمان بجمع من الأنبياء والملائكة كآدم ومحمد وجبريل عليهم الصلاة والسلام، فلو لم يصدق بوجوب الصلاة ونحوها عند السؤال عنه يكون كافرا) (١).

وبيَّنَ أن الخلاف في النطق بالشهادتين هو في حق المتمكن القادر، أما العاجز كالأخرس ومن اخترمته المنية قبل النطق من غير تراخ، فهو مؤمن ناج. ثم قال: (فقال محققو الأشاعرة والماتريدية وغيرهم: النطق من القادر (شرط) في إجراء أحكام المؤمنين الدنيوية عليه لتناط به تلك الأحكام، هذا فهم الجمهور، وعليه فمن صدق بقلبه ولم يقر بلسانه لا لعذر منعه ولا لإباء، بل اتفق له ذلك فهو مؤمن عند الله غير مؤمن في أحكام الشرع الدنيوية. ومن أقر بلسانه ولم يصدق بقلبه كالمنافق، فبالعكس، حتى نطّلع على باطنه فنحكم بكفره.

أما الآبي فكافر في الدارين، والمعذور مؤمن فيهما.

وقيل إنه شرط في صحة الإيمان، وهو فهْمُ الأقل، والنصوص معاضدة لهذا المذهب كقوله تعالى: أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ [المجادلة:٢٢] وقوله عليه الصلاة والسلام: ((اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)) (٢).) (٣).

والمعتمد عندهم هو القول الأول، أي أن قول اللسان شرط لإجراء الأحكام الدنيوية، كما صرح بذلك الصاوي والبيجوري وابن الأمير (٤).

قال الصاوي: (وقيل شرط في صحة الإيمان. المعتمد الأول).

وقال البيجوري عن القول بأن النطق شرط صحة: (وهو قول ضعيف كالقول بأنها شطر منه، والراجح أنها شرط لإجراء الأحكام الدنيوية فقط، فهي شرط كمال في الإيمان على التحقيق) (٥).


(١) ((إتحاف المريد)) مطبوع مع ((حاشية ابن الأمير)) (ص٨٩) وما بعدها.
(٢) رواه الترمذي (٢١٤٠)، وابن ماجه (٣٨٣٤) واللفظ له، وأحمد (٣/ ١١٢) (١٢١٢٨)، والحاكم (١/ ٧٠٧). من حديث أنس رضي الله عنه. قال الترمذي: حديث حسن. ووافقه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (١/ ٩٩) - كما أشار لذلك في مقدمته – وقال الحاكم: إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(٣) ((إتحاف المريد)) (ص٩٢).
(٤) ((شرح الصاوي على الجوهرة)) (ص١٣٢)، و ((شرح البيجوري)) (ص٤٥)، و ((حاشية ابن الأمير على إتحاف المريد)) (ص٩٢)، و ((شرح أم البراهين)) لأحمد عيسى الأنصاري (ص٨٣).
(٥) ((حاشية البيجوري على متن السنوسية الصغرى)) (ص٥٧)، وانظر: ((حاشية الشرقاوي على شرح الهدهدي على السنوسية)) (ص١٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>