للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: إلزام المشركين باعترافهم بتوحيد الربوبية ليقروا بتوحيد الألوهية الذي ينكرونه]

فإنه قد تكرر في القرآن بيان أن الخالق هو الذي يستحق أن يعبد، وأن المتفرد بالنعم الظاهرة والباطنة هو الذي يستحق أن يعبد دون ما سواه. فظهر من هذا أن هذا النوع من الأدلة يكون في مسألتين:

المسألة الأولى: العلم بأن الله هو المنفرد بالخلق والتدبير (١).

المسألة الثانية: العلم بأنه المنفرد بهبة النعم الظاهرة والباطنة (٢):

قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: ٢١ - ٢٢].

قال عكرمة (نهاهم الله تعالى أن يشركوا به شيئاً وأن يعبدوا غيره أو يتخذوا له نداً وعدلاً في الطاعة فقال: كما لا شريك لي في خلقكم وفي رزقكم الذي أرزقكم وملكي إياكم ونعمتي التي أنعمتها عليكم فكذلك فأفردوا لي الطاعة وأخلصوا لي العبادة ولا تجعلوا لي شريكاً ونداً من خلقي فإنكم تعلمون أن كل نعمة عليكم مني) (٣). اهـ

فقد بين الله تعالى استحقاقه للعبادة لأنه هو الخالق والرازق – وأمرهم أمر إيجاب بقوله: اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ. وقال الله تعالى: قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام: ١٤ - ١٨].

ففي هذه الآيات تقرير التوحيد لله تعالى؛ فالاستفهام في قوله تعالى أَغَيْرَ اللهِ إنكاري، أي كيف أتخذ ولياً غير الله فأطيعه وأعبده والله هو خالق السموات والأرض الذي يرزق الخلق ولا يحتاج إليهم فهو الغني عن كل ما سواه فلذلك أمره الله بعبادته وحده ونهاه عن الشرك. ثم بين الله تعالى أن الثواب والعقاب بيده، وبين تعالى أنه على كل شيء قدير ولا يعجزه شيء وهو المتصرف وحده فله القدرة الكاملة والعزة الظاهرة – فإذا كان ذلك كذلك كيف لا تُخلص له العبادة (٤)!


(١) انظر: ((القواعد الحسان لتفسير القرآن)) للسعدي (ص: ١٩٣).
(٢) انظر: ((القواعد الحسان لتفسير القرآن)) للسعدي (ص: ١٩٣ - ١٩٤)، و ((تفسير السعدي)) (١/ ٢٦).
(٣) رواه الطبري في تفسيره (١/ ٣٦٩ - ٣٧٠)
(٤) انظر: ((تفسير الطبري)) (١١/ ٢٨٧ - ٢٨٨)، و ((تفسير السعدي)) (٢/ ١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>