للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الأنعام: ١٠١ - ١٠٢] وفيها أن الخالق والوكيل على كل شيء بحفظه ورزقه وتصريفه هو الذي يستحق أن يعبد – قال ابن جرير: (يقول جل ثناؤه لهم: أيها الجاهلون: إنه لا شيء له الألوهية والعبادة إلا الذي َخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، فإنه لا ينبغي أن تكون عبادتكم وعبادة جميع من في السموات والأرض إلا له خالصة بغير شريك تشركونه فيها. فإنه خالق كل شيء وبارئه وصانعه، وحق على المصنوع أن يفرد صانعه بالعبادة) (١).

هذا وقد كان المشركون يقرون بتوحيد الربوبية – ولذلك قال الله جل وعلا عنهم وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ [يوسف: ١٠٦] قال عكرمة مولى ابن عباس في تفسير الآية السابقة: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولون الله فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره) (٢) اهـ.

ومثل هذا التفسير منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره (٣).

ولذلك فإن الله قررهم بهذا النوع من التوحيد – أي إذا كنتم أيها المشركون تقرون لله بأنه خالق كل شيء ورازقه فعليكم أن تقروا كذلك لله تعالى بالألوهية وحده وتتقوه ولا تعبدوا غيره. قال الله تعالى: قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [يونس: ٣١ - ٣٢].

قال ابن جرير عند قوله أَفَلاَ تَتَّقُونَ: (أفلا تخافون عقاب الله على شرككم وادعائكم رباً غير من هذه الصفة صفته، وعبادتكم معه من لا يرزقكم شيئاً ولا يملك لكم ضراً ولا نفعاً؟) (٤).

وقال تعالى: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ.


(١) ((تفسير الطبري)) (١٢/ ١٢ - ١٣).
(٢) رواه الطبري في تفسيره (١٦/ ٢٨٦).
(٣) انظر: ((تفسير الطبري)) (١٦/ ٢٨٨).
(٤) ((تفسير الطبري)) (١٥/ ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>