للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: تعيين أولي العزم]

أولو العزم هم بعض الرسل لا كلهم كما نقل عن بعض السلف ممن حمل (من) الآية على التجنيس لا التبعيض (١). فإن خروج بعض الرسل من أن يكونوا معنيين في الآية ثابت في كتاب الله، فالله عز وجل أمر نبيه في هذه الآية بالاقتداء بأولي العزم، ونهاه في آية أخرى عن أن يكون كصاحب الحوت يونس عليه السلام إذ قال سبحانه: وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ [القلم: ٤٨]. ويونس عليه السلام رسول، قال سبحانه: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [الصافات: ١٣٩]. وقال: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات: ١٤٧]. وقيل: أولو العزم هم كل الأنبياء عدا يونس عليه السلام (٢) وهو مرجوح بأمرين ورد الدليل بهما:

الأول: أن الآية نص في أنهم من الرسل لا من الأنبياء غير الرسل.

الثاني: أن الله نفى العزم عن آدم عليه السلام وهو نبي, ولم يستثنه أصحاب هذا القول قال سبحانه: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه: ١١٥].

وما من شك أن الله لم يرسل رسولاً إلا وهو ذو عزم وجد في طاعة الله فيما ائتمنه عليه، ولكن خص هؤلاء بالذكر والتفضيل لأنهم أعظم وأكمل عزماً من غيرهم، والله أعلم.

وقد اختلفت الأقوال في تعيين أولي العزم من هم (٣). ويمكن تصنيفها إلى قسمين:

الأول: قول من جعل التعيين بالصفة لا بالتسمية:

كقول من قال: إنهم الذين امتحنوا في ذات الله في الدنيا بالمحن فلم تزدهم المحن إلا جداً في أمر الله (٤).

وقول من قال: إنهم الذين أمروا بالقتال فأظهروا المكاشفة وجاهدوا الكفرة، وهو مروي عن الشعبي ومجاهد والسدي وغيرهم (٥). وقول من قال: إنهم الذين لم تصبهم فتنة من الأنبياء، وهو مروي عن الحسن (٦). وقول من قال: إنهم العرب من الأنبياء، قاله مجاهد والشعبي (٧). ولم تذكر للقائلين بما تقدم أدلة لما قالوه.

والثاني: قول من جعل التعيين بالتسمية، وهي أقوال:

فقيل: هم الثمانية عشر المذكورين في سورة الأنعام الآيات ٨٤ – ٨٦ لقوله سبحانه في عقب ذكرهم أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ [الأنعام: ٩٠]. وهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب ونوح وداود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس وإسماعيل واليسع ويونس ولوط (٨). وهو قول يضعفه أمران:

أحدهما: أن فيهم أنبياء ليسوا برسل كزكريا ويحيى وهما من أنبياء بني إسرائيل، وأولوا العزم رسل.


(١) ((تفسير الطبري)) (٢٦/ ٢٤) و ((تفسير البغوي)) (٤/ ١٧٦) و ((زاد المسير)) (٧/ ٣٩٢) و ((تفسير ابن كثير)) (٤/ ١٧٣).
(٢) ((تفسير البغوي)) (٤/ ١٧٦) و ((زاد المسير)) (٧/ ٣٩٢) ((تفسير القرطبي)) (١٦/ ٢٢٠).
(٣) ((تفسير الطبري)) (٢٦/ ٢٤) و ((تفسير البغوي)) (٤/ ١٧٦) و ((زاد المسير)) (٧/ ٣٩٢) و ((تفسير ابن كثير)) (٤/ ١٧٣) و ((تفسير القرطبي)) (١٦/ ٢٢٠) و ((الدر المنثور)) (٦/ ٤٥) وغيرها.
(٤) ((تفسير الطبري)) (٢٦/ ٢٤).
(٥) ((تفسير البغوي)) (٤/ ١٧٦) و ((تفسير القرطبي)) (١٦/ ٢٢٠) و ((زاد المسير)) (٧/ ٣٩٢).
(٦) ((زاد المسير)) (٧/ ٣٩٢).
(٧) ((تفسير البغوي)) (٤/ ١٧٦) و ((تفسير القرطبي)) (١٦/ ٢٢٠) و ((زاد المسير)) (٧/ ٣٩٢).
(٨) ((تفسير البغوي)) (٤/ ١٧٦) و ((تفسير القرطبي)) (١٦/ ٢٢٠) و ((زاد المسير)) (٧/ ٣٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>