للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيهما: أنهم لم يخصوا تعييناً في أمره سبحانه نبيه بالاقتداء بهم، فقد قال سبحانه بعد أن ذكرهم وقبل الأمر بالاقتداء وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ فهو أمر بالاقتداء بهدي الأنبياء جملة، قال ابن كثير في قوله تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ (أولئك: يعني الأنبياء المذكورين مع من أضيف إليهم من الآباء والذرية والإخوان وهم الأشباه) (١).

وقيل: هم ستة: نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام، وهم المذكورون على النسق في سورتي الأعراف والشعراء (٢).

وقيل غير ذلك (٣)، ولكن الأشهر المتداول في كتب العلم أنهم خمسة وهم: محمد، ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وهم الخمسة المذكورون نصاً في قوله سبحانه: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب: ٧] , وفي قوله سبحانه: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ [الشورى: ١٣] فقد خصهم الله عز وجل بالذكر في هاتين الآيتين من بين الأنبياء، وهو تنبيه إلى فضلهم بين سائر الأنبياء، وقد خصهم سبحانه بالذكر في ذكره أعظم الأمور وأفضلها وأغلظها، وهو الميثاق الذي قال فيه: وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب: ٧] , والوصايا التي شرعها لخلقه، وذلك ما أخذ على جميع النبيين وبعث به جميع النبيين، وهو العهد الذي بين الله وخلقه، وهو إقامة دين الله, وعدم التفرق فيه, وإسلام الوجه له سبحانه, والدعوة إلى ذلك, والمجاهدة فيه والموالاة فيه والبراءة فيه، وهؤلاء الخمسة صلوات الله وسلامه عليهم أكمل وأعظم من قام بهذا الميثاق، ولذا خصوا بالذكر، وهم الذين تفزع الأمم إليهم في الموقف يوم القيامة بعد أبيهم آدم فيتراجعونها حتى تنتهي إلى محمد صلى الله عليه وسلم كما في حديث الشفاعة (٤).

والقول بأنهم هم أولو العزم، مروي عن ابن عباس وغيره من السلف الصالح رضوان الله عليهم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: خيار ولد آدم خمسة نوح وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم وصلى الله وسلم عليهم أجمعين (٥).

قال أبو حاتم في آية الأحزاب: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ: (أجمل النبيين ثم قال: وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فأفردهم تفضيلاً لهم على سائر الأنبياء) (٦). يقول ابن القيم في بيان طبقات المكلفين: (الطبقة الأولى وهي العليا على الإطلاق مرتبة الرسالة فأكرم الخلق وأخصهم بالزلفى لديه رسله) قال: (وأعلاهم منزلة أولو العزم منهم المذكورين في قوله تعالى: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وهؤلاء هم الطبقة العليا في الخلائق وعليهم تدور الشفاعة حتى يردوها إلى خاتمهم وأفضلهم صلى الله عليه وسلم) قال: (الطبقة الثانية: من عداهم من الرسل على مراتبه من تفضيلهم بعضهم على بعض) (٧) .. مباحث المفاضلة في العقيدة لمحمد بن عبدالرحمن الشظيفي – ص: ١٣١


(١) ((التفسير)) (٢/ ١٥٦) و ((زاد المسير)) (٧/ ٣٩٢).
(٢) ((تفسير البغوي)) (٤/ ١٧٦) و ((تفسير القرطبي)) (١٦/ ٢٢٠).
(٣) ((تفسير البغوي)) (٤/ ١٧٦) و ((تفسير القرطبي)) (١٦/ ٢٢٠) و ((الدر المنثور)) (٦/ ٤٥).
(٤) حديث الشفاعة رواه البخاري (٤٧١٢)، ومسلم (١٩٤).
(٥) رواه البزار كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (٨/ ٢٥٨)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (٦٢/ ٢٧١). قال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح.
(٦) ((كتاب النخل)) (ص: ٤٠).
(٧) ((طريق الهجرتين)) (٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>