للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع: شبهة من قال النار لم تخلق بعد]

وقد ناقش شارح (الطحاوية) شبهة الذين قالوا: لم تخلق النار بعد، ورد عليها فقال: وأما شبهة من قال: إنها لم تخلق بعد، وهي: أنها لو كانت مخلوقة الآن لوجب اضطراراً أن تفنى يوم القيامة وأن يهلك كل من فيها ويموت، لقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ [القصص: ٨٨]، وكُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:١٨٥]، وقد روى الترمذي في (جامعه)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر)) (١). وفيه أيضاً: من حديث أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة)) (٢). قالوا: فلو كانت مخلوقة مفروغاً منها لم تكن قيعاناً، ولم يكن لهذا الغراس معنى. قالوا: وكذا قوله تعالى: عن امرأة فرعون أنها قالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ [التحريم: ١١]. فالجواب: إنكم إن أردتم بقولكم إنها الآن معدومة بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور، فهذا باطل، يرده ما تقدم من الأدلة وأمثالها مما لم يذكر، وإن أردتم أنها لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها، وأنها لا يزال الله يُحدث فيها شيئاً بعد شيء، وإذا دخلها المؤمنون أحدث فيها عند دخولهم أموراً أخر - فهذا حق لا يمكن رده، وأدلتكم هذه إنما تدل على هذا القدر. وأما احتجاجكم بقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ [القصص: ٨٨]، فأتيتم من سوء فهمكم معنى الآية، واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن – نظير احتجاج إخوانكم على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما!! فلم توفقوا أنتم ولا إخوانكم لفهم معنى الآية، وإنما وفق لذلك أئمة الإسلام. فمن كلامهم: أن المراد كُلُّ شَيْء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هَالِكٌ، والجنة والنار خُلِقتا للبقاء لا للفناء، وكذلك العرش، فإنه سقف الجنة. وقيل: المراد إلا مُلْكَه. وقيل: إلا ما أريد به وجهه. وقيل: إن الله تعالى: أنزل: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن: ٢٦]، فقالت الملائكة: هلك أهل الأرض، وطمعوا في البقاء، فأخبر تعالى: عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون، فقال: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ [القصص: ٨٨] لأنه حي لا يموت، فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت. وإنما قالوا ذلك توفيقاً بينها وبين النصوص المحكمة، الدالة على بقاء الجنة، وعلى بقاء النار أيضاً. الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص ١٣


(١) رواه الترمذي (٣٤٦٢). وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود. وحسنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (٢/ ٤٣٩) – كما أشار لذلك في مقدمته - والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)). انظر: ((فتح الباري)) (٦/ ٣٦٩).
(٢) رواه الترمذي (٣٤٦٤)، والحاكم (١/ ٦٨٠). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب لانعرفه إلا من حديث أبي الزبير عن جابر. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>