للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السادس: الأعياد والاحتفالات البدعية]

الأعياد: جمع عيد، وهو اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد؛ إما يعود السنة، أو بعود الأسبوع, أو الشهر, أو نحو ذلك.

فالعيد يجمع أموراً منها يوم عائد كيوم الفطر، ويوم الجمعة، ومنها اجتماع فيه، ومنها أعمال تجمع ذلك من العبادات أو العادات، وقد يختص العيد بمكان تعينه، وقد يكون مطلقاً، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيداً.

فالزمان كقوله صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة: ((إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيداً)) (١)، والاجتماع والأعمال كقول ابن عباس رضي الله عنه: (شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) (٢).

والمكان كقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تتخذوا قبري عيداً)) (٣).

وقد يكون لفظ العيد اسماً لمجموع اليوم والعمل فيه كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعهما يا أبا بكر إن لكل قوم عيد، وإن عيدنا هذا اليوم)) (٤).

وبناء على ذلك فلا يجوز لأحد أن يلازم الحفاوة والاحتفال بيوم من الأيام، أو مكان من الأماكن، أو اجتماع من الاجتماعات لم يرد الشرع باتخاذه عيداً سواء كان ذلك بتخصيصه بعبادة من العبادات، أو اجتماع من الاجتماعات، أو عادة من العادات، فإن قارنه الموافقة لأعداء الله من الكفار, والمشركين, وأهل الكتاب من اليهود والنصارى كان الأمر أعظم حرمة وأشد خطراً، وذلك لما فيه من المشابهة الظاهرة بهم، والذي هو طريق للمشابهة في الباطن.

ولذا لما طلب منه رجل أن يذبح في مكان سماه (بوانة) قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((هل بها عيد من أعيادهم)) (يريد اجتماعاً معتاداً من اجتماعاتهم التي عندهم عيداً) فلما قال: لا. قال له: ((أوف بنذرك)). وهذا يقتضي أن كون البقعة مكاناً لعيدهم مانع من الذبح بها وإن نذر، كما أن كونها موضع أوثانهم كذلك، وإلا لما انتظم الكلام, ولا حسن الاستفصال. ومعلوم أن ذلك لما هو لتعظيم البقعة التي يعظمونها بالتعييد فيها، أو لمشاركتهم في التعييد فيها، أو لإحياء شعار عيدهم فيها، ونحو ذلك. إذ ليس الإمكان الفعل، أو نفس الفعل، أو زمانه.

فيحرم الاحتفال بعيد الميلاد، سواء كان للمسيح أو للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وغيرهما من الناس، لما في ذلك من مشابهة اليهود والنصارى، وهكذا كل احتفال أو اجتماع يعتاد كل أسبوع, أو شهر, أو سنة، ولم يأت من الشرع ما يدل على إباحته كعيد رأس السنة، أو الاحتفال بالهجرة، أو الإسراء، أو ليلة النصف من شعبان.


(١) رواه البيهقي في ((السنن) (٣/ ٢٤٣)، والطبراني في ((الأوسط)) (٢/ ٣٧٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال البيهقي: مرسل وروي موصولا ولا يصح وصله. وقال أبو حاتم الرازي في ((العلل)) (١/ ٣٩٩): وهم إنما يرويه مالك بإسناد مرسل. وقال ابن عبد البر في ((التمهيد)) (١١/ ٢١١): [فيه] اضطراب عن يزيد بن سعيد ولا يصح من روايته في هذا الباب.
(٢) رواه البخاري (٩٦٢) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٣) رواه أبو يعلى (١/ ٣٦١)، والضياء المقدسي في ((الأحاديث المختارة)) (٤٢٨). قال ابن عبدالهادي المقدسي في ((الصارم المنكي)) (٢٠٦): جيد. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٤/ ٦): رواه أبو يعلى، وفيه حفص بن ابراهيم الجعفري ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً، وبقية رجاله ثقات. وقال السخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (٣١٣)، والعجلوني في ((كشف الخفاء)) (٢/ ٣٣): حسن. وقال الألباني في ((تحذير الساجد)): وسنده مسلسل بأهل البيت رضي الله عنهم، إلا أن أحدهم وهو علي بن عمر مستور، كما قال الحافظ في ((التقريب)) (١/ ٧٠٠).
(٤) رواه البخاري (٣٩٣١) من حديث عائشة رضي الله عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>