للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: أدلة أهل السنة على إدخال الأعمال في مسمى الإيمان]

أدلة أهل السنة على إدخال الأعمال في مسمى الإيمان منها: قول الله عز وجل: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [البقرة: ١٤٣] ثبت في سبب نزول هذه الآية كما في حديث البراء الطويل وغيره وفي آخره ((أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله تعالى: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)) (١) ووضع البخاري هذا الحديث في مواضع ومنها (باب: الصلاة من الإيمان) (٢) قال الحليمي: أجمع المفسرون على أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس، فثبت أن الصلاة إيمان، وإذا ثبت ذلك، فكل طاعة إيمان إذ لم أعلم فارقاً في هذه التسمية بين الصلاة وسائر العبادات (٣) كذلك قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال: ١ - ٤] ومثله جميع الآيات المشابهة كقوله عز وجل إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النور: ٦٢] ففي هذه الآيات إشارة إلى أن جميع الأعمال المذكورة من واجبات الإيمان فلهذا نفي الإيمان عمن لم يأت بها، فإن حرف إنما يدل على إثبات المذكور ونفي غيره (٤).

ومن الأدلة الصريحة في ذلك حديث وفد عبد القيس وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: ((آمركم بالإيمان بالله وحده)) وقال: ((هل تدرون ما الإيمان بالله وحده) قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ((شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا من الغنائم الخمس)) الحديث (٥). ففي هذا الحديث فسر الرسول صلى الله عليه وسلم للوفد الإيمان هنا بقول اللسان، وأعمال الجوارح

(ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيماناً بالله بدون إيمان القلب، لما قد أخبر في مواضع أنه لابد من إيمان القلب، فعلم أن هذه مع إيمان القلب هو الإيمان، وأي دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان فوق هذا الدليل؟ فإنه فسر الإيمان بالأعمال ولم يذكر التصديق مع العلم بأن هذه الأعمال لا تفيد مع الجحود) (٦)


(١) رواه البخاري (٤٠).
(٢) ((فتح الباري)) (١/ ٩٥).
(٣) ((المنهاج في شعب الإيمان)) (١/ ٣٧)، وانظر: ((الإيمان)) لابن منده (١/ ٣٢٩) و ((الجامع لشعب الإيمان)) للبيهقي (١/ ١٢١).
(٤) انظر: ((مجموع الفتاوى)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (٧/ ١٨).
(٥) رواه البخاري (٥٣)، ومسلم (١٧). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٦) ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص٣٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>