للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: شبهات حول اتخاذ القبور مساجد وحكم مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم

أولاً: قوله تعالى في سورة الكهف: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف:٢١]، وجه دلالة الآية على ذلك: أنّ الذين قالوا هذا القول كانوا نصارى، على ما هو مذكور في كتب التفسير، فيكون اتخاذ المسجد على القبر من شريعتهم، وشريعة من قبلنا شريعة لنا إذا حكاها الله تعالى، ولم يعقبها بما يدل على ردها كما في هذه الآية الكريمة.

ثانياً: كون قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده الشريف، ولو كان ذلك لا يجوز لما دفنوه صلى الله عليه وسلم في مسجده!

ثالثاً: صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف مع أن فيه قُبِر سبعين نبياً كما قال صلى الله عليه وسلم (١)!

رابعاً: ما ذكر في بعض الكتب أن قبر إسماعيل عليه السلام وغيره في الحجر من المسجد الحرام، وهو أفضل مسجد يتحرى المصلي فيه.

خامساً: بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجداً على قبر أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في ((الاستيعاب)) لابن عبد البر (٢).

سادساً: زعم بعضهم أن المنع من اتخاذ القبور مساجد إنما كان لعلة خشية الافتتان بالمقبور، زالت برسوخ التوحيد في قلوب المؤمنين، فزال المنع!

الجواب عن الشبهة الأولى:

أما الشبهة الأولى فالجواب عنها من ثلاثة وجوه:

الأول: أن الصحيح المتقرر في علم الأصول أن شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا لأدلة كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وسلم: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحداً من الأنبياء قبلي ... (فذكرها، وآخرها) وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة)) (٣)

فإذا تبين هذا فلسنا ملزمين بالأخذ بما في الآية لو كانت تدل على أن جواز بناء المسجد على القبر كان شريعة لمن قبلنا!

الثاني: هب أن الصواب قول من قال: (شريعة من قبلنا شريعة لنا) فذلك مشروط عندهم بما إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه، وهذا الشرط معدوم هنا، لأن الأحاديث تواترت في النهي عن البناء المذكور كما سبق، فذلك دليل على أن ما في الآية ليس شريعة لنا.

الثالث: لا نسلم أن الآية تفيد أن ذلك كان شريعة لمن قبلنا غاية ما فيها أن جماعة من الناس قالوا: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف:٢١] فليس فيها التصريح بأنهم كانوا مؤمنين، وعلى التسليم فليس فيها أنهم كانوا مؤمنين صالحين، متمسكين بشريعة نبيٍ مرسل، بل الظاهر خلاف ذلك، قال الحافظ ابن رجب في (فتح الباري في شرح البخاري) .. : حديث: ((لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) (٤).


(١) رواه الطبراني (١٢/ ٤١٤) بلفظ: ((في مسجد الخيف قُبِر سبعين نبياً)). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٣/ ٣٠٠): رواه البزار ورجاله ثقات. وقال ابن حجر في ((مختصر البزار)) (١/ ٤٧٦): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((ضعيف الجامع)) (٤٠٢٠): ضعيف.
(٢) ((الاستيعاب)) (٢/ ١٣). وقال الألباني في ((تحذير الساجد)): منكر.
(٣) رواه البخاري (٣٣٥) بلفظة: (عامةً) بدلاً من (كافةً)، ومسلم (٥٢١) بلفظة: (خاصة). من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٤) رواه البخاري (٤٤٤١). من حديث عائشة رضي الله عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>