للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد دل القرآن على مثل ما دل عليه هذا الحديث، وهو قول الله عز وجل في قصة أصحاب الكهف: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف:٢١]، فجعل اتخاذ القبور على المساجد من فعل أهل الغلبة على الأمور، وذلك يشعر بأن مستنده القهر والغلبة واتباع الهوى وأنه ليس من فعل أهل العلم والفضل المتبعين لما أنزل الله على رسله من الهدى (١).

وقال الشيخ علي بن عروة في (مختصر الكوكب) .. تبعاً للحافظ ابن كثير في (تفسيره): حكى ابن جرير (٢) في القائلين ذلك قولين (٣):

أحدهما: أنهم المسلمون منهم.

والثاني: أهل الشرك منهم.

فالله أعلم، والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ، ولكن هم محمودون أم لا؟ فيه نظر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يُحذِّر ما فعلوا (٤)، وقد رُوِّينا عن عمر بن الخطاب: أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق أمر أن يخفى عن الناس، وأن تدفن تلك الرقعة التي وجدها عنده، فيها شيء من الملاحم وغيرها (٥).

إذا عرفت هذا، فلا يصح الاحتجاج بالآية على وجه من الوجوه، وقال العلامة المحقق الألوسي في (روح المعاني): واستدل بالآية على جواز البناء على قبور العلماء واتخاذ مسجد عليها، وجواز الصلاة في ذلك! وممن ذكر ذلك الشهاب الخفاجي في (حواشيه على البيضاوي)، وهو قول باطل عاطل، فاسد كاسد ... ) (٦).

ثم ذكر بعض الأحاديث المتقدمة، وأتبعها بكلام الهيتمي في (الزواجر) مقراً له عليه، ... ثم نقل عنه في كتابه (شرح المنهاج) ما نصه: وقد أفتى جمعٌ بهدم كل ما بقرافة مصر من الأبنية، حتى قبة الإمام الشافعي عليه الرحمة، التي بناها بعض الملوك، وينبغي لكل أحد هدم ذلك ما لم يخش منه مفسدة، فيتعين الرفع للإمام آخذاً من كلام ابن الرفعة في الصلح. اهـ.


(١) ((فتح الباري)) (٣/ ١٩٤).
(٢) ((تفسير الطبري)) (١٧/ ٦٤٠).
(٣) قال الألباني: وحكاهما أيضاً: ابن الجوزي في تفسيره ((زاد المسير)) (٥/ ١٢٣) دون أن يرجح أحدهما على عادته.
(٤) رواه البخاري (٤٣٥، ٤٣٦)، ومسلم (٥٣١) بلفظة: (صنعوا) بدلاً من (فعلوا). من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم.
(٥) ((تفسير ابن كثير)) (٣/ ٧٨)
(٦) ((روح المعاني)) (٥/ ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>