للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال الإمام الألوسي: لا يقال: إن الآية ظاهرة في كون ما ذكر من شرائع من قبلنا، وقد استُدِلَّ بها، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((من نام عن صلاة أو نسيها)) (١)، الحديث ثم تلا قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:١٤]، وهو مقول لموسى عليه السلام، وسياقه الاستدلال، واحتج أبو يوسف على جري القود بين الذكر والأنثى بآية: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ [المائدة: ٤٥]، والكرخي على جريه بين الحر والعبد، والمسلم والذمي بتلك الآية الواردة في بني إسرائيل، إلى غير ذلك، لأنا نقول: مذهبنا في شرع من قبلنا وإن كان أنه يلزمنا على أنه شريعتنا، لكن لا مطلقاً، بل إنْ قصّ الله تعالى علينا بلا إنكار فإنكار رسوله صلى الله عليه وسلم كإنكاره عز وجل (٢). وقد سَمِعتَ أنه عليه الصلاة والسلام لعن الذين يتخذون المساجد على القبور، على أن كون ما ذكر من شرائع من قبلنا ممنوع، وكيف يمكن أن يكون اتخاذ المساجد على القبور من الشرائع المتقدمة مع ما سمعت من لعن اليهود والنصارى حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، والآية ليست كالآيات التي ذكرنا آنفاً احتجاجُ الأئمة بها، وليس فيها أكثر من حكاية قول طائفة من الناس وعزمهم على فعل ذلك، وليست خارجة مخرج المدح لهم والحض على التأسي بهم، فمتى لم يثبت أن فيهم معصوماً لا يدل على فعلهم عن عزمهم على مشروعية ما كانوا بصدده.

ومما يقوي قلة الوثوق بفعلهم القول بأن المراد بهم: الأمراء والسلاطين، كما روي عن قتادة.

وعلى هذا لقائلٍ أن يقول: إن الطائفة الأولى كانوا مؤمنين عالمين بعدم مشروعية اتخاذ المساجد على القبور، فأشاروا بالبناء على باب الكهف وسدّه، وكفّ التعرض لأصحابه، فلم يقبل الأمراء منهم، وغاظهم ذلك حتى أقسموا على اتخاذ المسجد.

وإن أبيت إلا حسن الظن بالطائفة الثانية فلك أن تقول: إن اتخاذهم المسجد عليهم ليس على طراز اتخاذ المساجد على القبور المنهي عنه، الملعون فاعله، وإنما هو اتخاذ مسجد عندهم وقريباً من كهفهم، وقد جاء التصريح بالعندية في رواية القصة عن السدي ووهب، ومثل هذا الاتخاذ ليس محذوراً إذ غاية ما يلزم على ذلك أن يكون نسبة المسجد إلى الكهف الذي هم فيه، كنسبة النبوي إلى المرقد ... صلى الله تعالى على من فيه وسلم، ويكون قوله: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ [الكهف:٢١] على هذه الشاكلة قول الطائفة: (ابنوا عليهم).

وإن شئت قلت: إن ذلك الاتخاذ كان على كهفٍ فوق الجبل الذي هم فيه، وفيه خبر مجاهد: أن الملك تركهم في كهفهم وبنى على كهفهم مسجداً، وهذا أقرب لظاهر اللفظ كما لا يخفى، وهذا كله إنما يحتاج إليه على القول بأن أصحاب الكهف ماتوا بعد الإعثار عليهم، وأما على القول بأنهم ناموا كما ناموا أولاً فلا يحتاج إليه على ما قيل (٣).


(١) رواه البخاري (٥٩٧)، ومسلم (٦٨٤) بلفظ: ((من نسي صلاةً أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها))، واللفظ لمسلم من حديث أنس رضي الله عنه.
(٢) قال الألباني: لقوله صلى الله عليه وسلم ((فإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله)). وهو حديث صحيح. اهـ. والحديث: رواه أبو داود (٤٦٠٤)، والترمذي (٢٦٦٤)، وابن ماجه (١٢)، وأحمد (٤/ ١٣٢) (١٧٢٣٣). من حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه.
(٣) قال الألباني: يشير إلى ما ذكره في أول الصفحة الأولى من الصفحتين المشار إليهما وهو قوله: وعن الحسن: أنه اتخذ (يعني: المسجد) ليصلي فيه أصحاب الكهف إذا استيقظوا. قال الألوسي: وهذا مبني على أنهم لم يموتوا بل ناموا كما ناموا أولاً وإليه ذهب بعضهم، بل قيل: إنهم لا يموتون حتى يظهر المهدي ويكونوا من أنصاره. ولا معول على ذلك وهو عندي أشبه شيء بالخرافات.

<<  <  ج: ص:  >  >>