للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: فرح المؤمن بلقاء ربه]

إذا جاءت ملائكة الرحمن العبد المؤمن بالبشرى من الله ظهر عليه الفرح والسرور، أما الكافر والفاجر فإنه يظهر عليه الضيق والحزن والتعب، ومن ثم فإن العبد المؤمن في حال الاحتضار يشتاق إلى لقاء الله، والعبد الكافر أو الفاجر يكره لقاء الله تعالى، فقد روى أنس بن مالك، عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت، قال: ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حُضِر بُشِّر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله، وكره الله لقاءه)) (١) ولذلك فإن العبد الصالح يطالب حامليه بالإسراع به إلى القبر شوقاً منه إلى النعيم، بينما العبد الطالح ينادي بالويل من المصير الذاهب إليه، ففي صحيح البخاري وسنن النسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: يا ويلها أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق)) (٢).

ولكن هذا ليس لازماً لكل أحد كما يقول ابن تيمية، بل من الناس من تعرض عليه الأديان قبل موته، ومنهم من لا تعرض عليه، وقد وقع ذلك لأقوام، وهذا كله من فتنة المحيا والممات التي أمرنا أن نستعيذ منها في صلاتنا (٣)، وقد ذكر الشيخ ابن تيمية أن الشيطان أحرص ما يكون على إغواء الإنسان وقت موته، لأنه وقت الحاجة، واستدل بالحديث الذي في الصحيح: ((الأعمال بخواتيمها)) (٤)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها)) (٥)، ولهذا روي: ((أن الشيطان أشد ما يكون على ابن آدم حين الموت، يقول لأعوانه: دونكم هذا فإنه إن فاتكم لن تظفروا به أبداً)) (٦). القيامة الصغرى لعمر بن سليمان الأشقر - ص: ٢٨


(١) رواه البخاري (٦٥٠٧).
(٢) رواه البخاري (١٣١٦)، والنسائي (٤/ ٤١).
(٣) الحديث رواه البخاري (١٣٧٧)، ومسلم (٥٨٨).
(٤) رواه البخاري (٦٤٩٣). من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(٥) رواه البخاري (٧٤٥٤)، ومسلم (٢٦٤٣). من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(٦) ذكره ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (٤/ ٢٥٦). ولم أقف عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>