قال ابن القيم رحمه الله تعالى في خاتمة كتابه الإغاثة: وتلاعب الشيطان بالمشركين في عبادة الأصنام له أسباب عديدة تلاعب بكل قوم على قدر عقولهم فطائفة دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم الموتى الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم كما ... كان في قوم نوح عليه الصلاة والسلام ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتخذين على القبور المساجد والسرج ونهى عن الصلاة إلى القبور وسأل ربه سبحانه وتعالى أن لا يجعل قبره وثنا يعبد ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيدا وقال:((اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) (١) وأمر بتسوية القبور وطمس التماثيل، قال فأبى المشركون إلا خلافه في ذلك كله إما جهلا وإما عنادا لأهل التوحيد ولم يضرهم ذلك شيئا وهذا السبب هو الغالب على عوام المشركين وأما خواصهم فإنهم اتخذوها بزعمهم على صور الكواكب المؤثرة في العالم عندهم وجعلوا لها بيوتا وسدنة وحجابا وحجا وقربانا ولم يزل هذا في الدنيا قديما وحديثا فمنها بيت على رأس جبل بأصبهان كانت به أصنام أخرجها بعض ملوك المجوس وجعله بيت نار ومنها بيت ثان وثالث ورابع بصنعاء بناه بعض المشركون على اسم الزهرة فخربه عثمان رضي الله عنه ومنها بيت بناه قابوس الملك المشرك بالهند قال يحيى بن بشر إن شريعة الهند وضعها لهم رجل يقال له برهمن ووضع لهم أصناما وجعل أعظم بيوتها بيتا بمدينة من مدائن السند وجعل فيه صنمهم الأعظم وزعم أنه بصورة الهيولي الأكبر وفتحت هذه المدينة في أيام الحجاج واسمها الملتان إلى أن قال رحمه الله تعالى وأصل هذا المذهب من مشركي الصابئة وهم قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذين ناظرهم في بطلان الشرك وكسر حجتهم بعلمه وآلهتهم بيده فطلبوا تحريقه وهذا مذهب قديم في العالم وأهله طوائف شتى فمنهم من عباد الشمس زعموا أنها ملك من الملائكة لها نفس وعقل وهي أصل نور القمر والكواكب وتكون الموجودات السفلية كلها عندهم منها وهي عندهم ملك الفلك يستحق التعظيم والسجود والدعاء ومن شريعتهم في عبادتها أنهم اتخذوا لها صنما بيده جوهر على نوع النار وله بيت خاص قد بنوه باسمه وجعلوا له الوقوف الكثيرة من القرى والضياع وله سدنة وقوام وحجبة يأتون البيت ويصلون فيه ثلاث مرات في اليوم ويأتيه أصحاب العاهات فيصومون لذلك الصنم ويصلون ويدعون ويستسقون به وهم إذا طلعت الشمس سجدوا كلهم وإذا غربت وإذا توسطت الفلك ولهذا يقارفها الشيطان في هذه الأوقات الثلاثة لتقع عبادتهم وسجودهم له ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تحري الصلاة في هذه الأوقات قطعا لمشابهة الكفار ظاهرا وسدا لذريعة الشرك وعبادة الأصنام
قلت وقد ذكر الله عز وجل عبادة الشمس عن أهل سبأ من أرض اليمن في عهد بلقيس كما حكى قول الهدهد حيث قال وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ للشَّمْسِ مِنْ دُونِ الله [النمل:٢٤] إلى آخر الآيات وهداها الله تعالى إلى الإسلام على يد نبيه سليمان عليه الصلاة والسلام حيث قال: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لله رَبِّ العَالَمِين [النمل:٤٤]
(١) رواه مالك في ((الموطأ)) (٢/ ٢٤٠)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (١/ ٤٠٦)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٢/ ١٥٠). من حديث عطاء بن يسار مرسلا. وقال ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (٥/ ٤١): مرسل غريب وهو صحيح. وقال الألباني في ((مشكاة المصابيح)) (٥١٧): صحيح.