للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة الأولى: الاعتقاد بالقلب]

الاعتقاد عند السلف يتضمن ركنين قلبيين لا يغني أحدهما عن الآخر، ويلزم تحقيقهما مجتمعين في القلب ليدخل صاحبه في مسمى الإيمان:

الركن الأول: المعرفة والعلم والتصديق. ويطلق عليه (قول القلب).

الركن الثاني: الالتزام والانقياد والتسليم. ويطلق عليه (عمل القلب).

أما عن الركن الأول وهو قول القلب، أو معرفة القلب للحق وتصديقه به، فلا نحسب أن أحداً من العقلاء يدفعه أو يجادل فيه فيقول مثلاً: إن الإيمان لا يحتاج إلى المعرفة والتصديق.

يقول الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله -: (من جحد المعرفة والتصديق فقد قال قولاً عظيماً، فإن فساد هذا القول معلوم من دين الإسلام) اهـ (١).

وقد أورد صاحب (معارج القبول) سبعة شروط لمن ينطق بكلمة التوحيد قيد بها انتفاعه بالشهادتين في الدنيا والآخرة من الدخول في الإسلام والفوز بالجنة والنجاة من النار، فوضع بداهة على رأس هذه الشروط شرط المعرفة لحقيقة معناها فقال:

(العلم بمعناها المراد منها نفياً وإثباتاً، المنافي للجهل بذلك، قال الله – عز وجل -: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: ١٩]. وقال تعالى: إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ [الزخرف: ٨٦] أي: بلا إله إلا الله وَهُمْ يَعْلَمُونَ بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم) اهـ (٢).

ويقول البيضاوي في تفسير قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ [البقرة: ٢١] في سورة البقرة: (فالمطلوب من الكفار هو الشروع فيها – أي العبادة – بعد الإتيان بما يجب تقديمه من المعرفة والإقرار بالصانع، فإن من لوازم وجوب الشيء وجوب ما لا يتم إلا به) اهـ (٣).

وأما عن الركن الآخر، وهو الالتزام والانقياد والتسليم والخضوع ولوازم ذلك كله من عمل القلب كالمحبة والتعظيم والتوكل والخشية والرجاء، فإن سلف الأمة وأئمتها متفقون على أنه للركن الأول وملازم له ولا يكون العبد مؤمناً إلا بهما.

وإلا فإن مجرد التصديق بالله ورسوله دون المحبة والتعظيم والانقياد لهما ليس إيماناً باتفاق هؤلاء الأئمة، بل هذا ظاهر ثابت بدلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة، بل ذلك معلوم بالاضطرار من دين الإسلام (٤). والتصديق الذي لا يكون معه شيء من ذلك ليس إيماناً ألبتة، بل هو كتصديق فرعون واليهود وإبليس (٥).

يقول الإمام ابن تيمية: (فإن الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، ولا بد فيه من شيئين:

- تصديق بالقلب، وإقراره ومعرفته، ويقال لهذا قول القلب. قال الجنيد بن محمد: التوحيد قول القلب، والتوكل عمل القلب، فلا بد فيه من قول القلب وعمله، ثم قول البدن وعمله.

ولا بد فيه من عمل القلب، مثل حب الله ورسوله، وخشية الله، وحب ما يحبه الله ورسوله، وبغض ما يبغضه الله ورسوله، وإخلاص العمل لله وحده، وتوكل القلب على الله وحده، وغير ذلك من أعمال القلوب التي أوجبها الله ورسوله وجعلها من الإيمان) اهـ (٦).

ويشرح الإمام محمد بن نصر المروزي في كتابه (الصلاة) حديث جبريل عن الإيمان والإسلام والإحسان فيقول: (أما قوله: الإيمان أن تؤمن بالله:

فأن توحده وتصدق به بالقلب واللسان.

وتخضع له ولأمره بإعطاء العزم للأداء لما أمر، مجانباً للاستنكاف والاستكبار والمعاندة، فإذا فعلت ذلك لزمت محآبه صلى الله عليه وسلم، واجتنبت مساخطه) اهـ (٧).


(١) ((الإيمان)) لابن تيمية (ص: ٣٧٦، ٣٧٧).
(٢) ((معارج القبول)) (١/ ٣٠٧ - ٣٠٨).
(٣) ((تفسير البيضاوي)) (ص: ١٦).
(٤) ((الإيمان)) لابن تيمية (ص: ٣٨١).
(٥) ((الإيمان)) لابن تيمية (ص: ٢٩١، ٢٩٢).
(٦) ((الإيمان)) لابن تيمية (ص: ١٧٦).
(٧) ((تعظيم قدر الصلاة)) (١/ ٣٩٢ - ٣٩٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>