للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: أداء الصلاة خلف كل بر وفاجر]

أولا: الصلاة خلف البر والفاجر

ولما كان السلطان أو الخليفة قد يصلي بالناس الجمع والأعياد وغيرها من الصلوات، لزم بيان حكم أداء هذا الركن الإسلامي، ألا وهو الصلاة خلفه إذا كان مبتدعا، سواء كان داعية أو مستتراً ببدعته لا يظهرها.

وتفصيل الحكم في هذه المسألة يختلف باختلاف حال الحاكم المبتدع من كونه داعية أو غير داعية، ويختلف أيضاً باختلاف حال المأموم من الرعية، من كونه يجد من يصلي خلفه تلك الصلاة غير السلطان، أو غير واجد إلا الصلاة خلف الحاكم المتلبس ببدعة.

ولإيضاح ذلك أقول: إن كان الحاكم المبتدع داعياً إلى بدعته، ولم يمكن إقامة الجمع والأعياد والجماعات إلا خلفه، وهذا يكون غالباً إذا كان الخليفة هو المتولي لأمر الصلاة كما في العهد السابق، فإن الصلاة خلفه في هذه الحال صحيحة مجزئة عند عامة أهل السنة من السلف والخلف، بل قد عد عدد من أهل العلم تاركها في هذه الحال مبتدعاً، وذلك لأن هذه الصلاة من شعائر الإسلام الظاهرة، وتليها الأئمة دون غيرهم فتركها خلفهم يفضي إلى تركها بالكلية.

ومما يدل على ذلك ما جاء عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعين لهم، ومن جاء بعدهم من سلف هذه الأمة، ومن ذلك:

ما جاء عن عبيد الله بن عدي رضي الله عنه أنه دخل على عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو محصور، فقال: إنك إمام عامة ونزل بك ما نرى، ويصلي لنا إمام فتنة، ونتحرج، فقال: (الصلاة أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم) (١).

وقد بوب الإمام البخاري رحمه الله على هذا الأثر بقوله: (باب إمامة المفتون والمبتدع) (٢).

فأمر عثمان رضي الله عنه بالصلاة مع إمام الفتنة، والمقصود به هنا كنانة بن بشر وهو أحد رؤوس الخوارج الذين حاصروا عثمان رضي الله عنه كما رجح ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله (٣).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وفي هذا الأثر الحض على شهود الجماعة، ولاسيما في زمن الفتنة؛ لئلا يزداد تفرق الكلمة، وفيه أن الصلاة خلف من تكره الصلاة خلفه أولى من تعطيل الصلاة) (٤).

وعن سوار بن شبيب أنه قال: حج نجدة الحروري في أصحابه فوادع ابن الزبير، فصلى هذا بالناس يوماً وليلة، وهذا بالناس يوماً وليلة، فصلى ابن عمر خلفهما فاعترضه رجل، فقال: يا أبا عبد الرحمن أتصلي خلف نجدة الحروري؟ فقال ابن عمر: (إذا نادوا حي على خير العمل أجبنا، وإذا نادوا إلى قتل نفس قلنا: لا، ورفع بها صوته) (٥).

وجاء عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه قيل له زمن ابن الزبير والخوارج والخشبية: أتصلي مع هؤلاء ومع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضاً؟ فقال: من قال: حي على الصلاة. أجبته، ومن قال: حي على الفلاح. أجبته، ومن قال: حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله. قلت: لا) (٦).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وكان عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة يصلون خلف الحجاج بن يوسف، وكان الصحابة والتابعون يصلون خلف ابن أبي عبيد وكان متهماً بالإلحاد وداعياً إلى الضلال) (٧).

وسار التابعون ومن تبعهم بإحسان من أئمة السلف على هذا، فقرروه قولاً وفعلاً، فمن ذلك:


(١) [١٣٣١١])) رواه البخاري (٦٩٥). من حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار رضي الله عنه.
(٢) ((صحيح البخاري)) (٢/ ١٨٨، مع الفتح).
(٣) انظر: ((فتح الباري)) (٢/ ١٨٩).
(٤) ((فتح الباري)) (٢/ ١٩٠).
(٥) رواه ابن أبي زمنين في ((أصول السنة)) (ص: ٢٨٤) برقم (٢٠٩).
(٦) رواه البيهقي في ((السنن) (٣/ ١٢٢) (٥٠٨٨).
(٧) ((مجموع الفتاوى)) (٣/ ٢٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>