للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما جاء عن الأعمش رحمه الله أنه قال: (كان كبار أصحاب عبد الله –يعني ابن مسعود- يصلون الجمعة مع المختار ويحتسبون بها) (١).

وقد كان أبو وائل رحمه الله يصلي الجمعة مع المختار بن أبي عبيد (٢).

وعن الحسن رحمه الله أنه سئل عن الصلاة خلف صاحب البدعة، فقال الحسن: (صل خلفه، وعليه بدعته).

وعن الحكم بن عطية رحمه الله أنه قال: سألت الحسن وقلت: رجل من الخوارج يؤمنا، أنصلي خلفه؟ قال: (نعم، قد أم الناس من هو شر منه) (٣).

وعن ابن وضاح رحمه الله: قال: سألت الحارث بن مسكين: هل ندع الصلاة خلف أهل البدع؟ فقال: (أما الجمعة خاصة فلا، وأما غيرها من الصلاة فنعم) (٤).

وقال ابن وضاح أيضاً: سألت يوسف بن عدي عن تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((صلوا خلف كل بر وفاجر) قال: (الجمعة خاصة)، قلت: وإن كان الإمام صاحب بدعة، قال: (نعم، وإن كان صاحب بدعة لأن الجمعة في مكان واحد ليس توجد في غيره) (٥).

وقال سفيان الثوري رحمه الله في وصيته لشعيب بن حرب: (يا شعيب، لا ينفعك ما كتبت، حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر). قال شعيب لسفيان: يا أبا عبد الله الصلاة كلها؟ قال: (لا، ولكن صلاة الجمعة والعيدين، صل خلف من أدركت، وأما سائر ذلك فأنت مخير، لا تصل إلا خلف من تثق به، وتعلم أنه من أهل السنة والجماعة ... ) (٦).

وهكذا سار أهل العلم على تقرير ذلك، وأن الصلاة خلف أهل البدع من الولاة جائزة وصحيحة، لا يجوز إعادتها؛ إن لم يكن هناك من أهل العدل من يمكن الصلاة خلفه، لهذا خص بعض من تقدم ذلك بصلاة الجمعة؛ وذلك لأن صلاة الجمعة لا يمكن إقامتها إلا خلف الولاة، أما بقية الصلوات فإنها يمكن أن تصلى خلف سني عادل، أو من يوثق به.

أما أقوال محققي أهل العلم في ذلك، فقد قال ابن قدامة رحمه الله (فأما الجمع والأعياد فإنها تصلى خلف كل بر وفاجر، وقد كان أحمد يشهدها مع المعتزلة، وكذلك العلماء الذين في عصره، ... ولأن هذه الصلاة من شعائر الإسلام الظاهرة، وتليها الأئمة دون غيرهم، فتركها خلفهم يفضي إلى تركها بالكلية) (٧).

وقال النووي رحمه الله: (وكذا تكره –أي الصلاة- وراء المبتدع الذي لا يكفر ببدعته، وتصح، فإن كفر ببدعته فقد قدمنا أنه لا تصح الصلاة وراءه كسائر الكفار، ونص الشافعي في المختصر على كراهة الصلاة خلف الفاسق والمبتدع، فإن فعلها صحت) (٨).

وهذه الكراهة إما هي إن أمكن الصلاة خلف غيره من أهل العدل كما هو مقرر عند الشافعية.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما إذا لم يمكن الصلاة إلا خلف المبتدع أو الفاجر كالجمعة التي إمامها مبتدع أو فاجر وليس هناك جمعة أخرى، فهذه تصلى خلف المبتدع والفاجر عند عامة أهل السنة والجماعة، وهذا مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، وغيرهم من أئمة أهل السنة، بلا خلاف عندهم) (٩).


(١) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (١/ ٤٧٥) برقم (٥٤٩٧)، وابن أبي زمنين في ((أصول السنة)) (ص: ٢٨٤) برقم (٢١٠).
(٢) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (١/ ٤٧٥) برقم (٥٤٩٧)، وعبد الرزاق في ((المصنف)) (٢/ ٣٨٦) برقم (٣٧٩٨).
(٣) روه ابن أبي زمنين في ((أصول السنة)) (ص: ٢٨٤) برقم (٢١١).
(٤) روه ابن أبي زمنين في ((أصول السنة)) (ص: ٢٨٤) برقم (٢١٢).
(٥) روه ابن أبي زمنين في ((أصول السنة)) (ص: ٢٨٤) برقم (٢١٢).
(٦) رواه اللالكائي في ((أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (١/ ١٥٤).
(٧) ((المغني)) (٣/ ٢٢).
(٨) ((المجموع)) (٤/ ١٥٠).
(٩) ((مجموع الفتاوى)) (٣/ ٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>