للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: التلازم بين الإيمان والإسلام]

إنه مع القول بالفرق بين الإيمان والإسلام، فإنه لا إسلام لمن لا إيمان له، ولا إيمان لمن لا إسلام له؛ إذ لا يخلو المسلم من إيمان به يصحُّ إسلامه، ولا يخلو المؤمن من إسلام به يُحققُ إيمانه؛ لما بين الباطن والظاهر من ارتباط وتلازم على ما سيأتي بسطه إن شاء الله.

والمقصود هنا أن نبين أنه حيث وجد الإيمان الباطن، لزم وجود الإسلام الظاهر الذي هو القول والعمل.

قال شيخ الإسلام: (وأما إذا قرن الإيمان بالإسلام، فإن الإيمان في القلب، والإسلام ظاهر كما في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الإسْلامُ عَلانِيَةٌ وَالإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره)) (١).

ومتى حصل له هذا الإيمان وجب ضرورة أن يحصل له الإسلام الذي هو الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج؛ لأن إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله يقتضي الاستسلام لله، والانقياد له، وإلا فمن الممتنع أن يكون قد حصل له الإقرار والحب والانقياد باطنا ولا يحصل ذلك في الظاهر مع القدرة عليه، كما يمتنع وجود الإرادة الجازمة مع القدرة بدون وجود المراد.

وبهذا تعرف أن من آمن قلبه إيمانا جازما، امتنع أن لا يتكلم بالشهادتين مع القدرة. فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم انتفاء الإيمان القلبي التام، وبهذا يظهر خطأ جهم ومن اتبعه في زعمهم أن مجرد إيمان بدون الإيمان الظاهر ينفع في الآخرة؛ فإن هذا ممتنع، إذ لا يحصل الإيمان التام في القلب إلا ويحصل في الظاهر موجبه بحسب القدرة، فإن من الممتنع أن يحب الإنسان غيره حبا جازما وهو قادر على مواصلته، ولا يحصل منه حركة ظاهرة إلى ذلك) (٢).

وقال: (فإذا قرن الإيمان بالإسلام كان مسمى الإسلام خارجا عنه، كما في حديث جبريل، وإن كان لازما له) (٣).

وقال أيضا: (وقد ذكر الخطابي في شرح البخاري كلاما يقتضي تلازمهما، مع افتراق اسميهما، وذكره البغوي في شرح السنة فقال: قد جعل النبي الإسلام اسما لما ظهر من الأعمال، وجعل الإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد، وليس كذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان، أو التصديق بالقلب ليس من الإسلام، بل ذلك تفصيل الجملة (٤)، هي كلها شيء واحد وجماعها الدين، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم)) (٥).


(١) رواه أحمد (١٢٤٠٤) من حديث أنس، وليس فيه: (والإيمان أن تؤمن بالله ... ). والحديث ضعفه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند، والألباني في ضعيف الجامع الصغير (٢٢٨٠).
(٢) مجموع الفتاوى (٧/ ٥٥٣).
(٣) السابق (٧/ ٥٥٥).
(٤) كذا، والصواب: (تفصيل لجملةٍ هي كلها شيء واحد)، كما عند البغوي.
(٥) السابق (٧/ ٣٥٩) وما بعدها. وكلام البغوي في شرح السنة (١/ ١٠)، وفي تفسيره لقوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *البقرة: ٣*.

<<  <  ج: ص:  >  >>