للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونَقل عن أبي طالب المكي قوله: (فمثل الإسلام من الإيمان، كمثل الشهادتين إحداهما من الأخرى في المعنى والحكم. فشهادة الرسول غير شهادة الوحدانية، فهما شيئان في الأعيان، وإحداهما مرتبطة بالأخرى في المعنى والحكم، كشيء واحد. كذلك الإيمان والإسلام: أحدهما مرتبط بالآخر، فهما كشيء واحد، لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له؛ إذ لا يخلو المسلم من إيمان به يصح إسلامه، ولا يخلو المؤمن من إسلام به يحقق إيمانه من حيث اشترط الله للأعمال الصالحة الإيمان، واشترط للإيمان الأعمال الصالحة، فقال في تحقيق ذلك: فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ [الأنبياء:٩٤] وقال في تحقيق الإيمان بالعمل: وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى طه:٧٥ [. فمن كان ظاهره أعمال الإسلام، ولا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب، فهو منافق نفاقا ينقل عن الملة. ومن كان عقده الإيمان بالغيب، ولا يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام، فهو كافر كفرا لا يثبت معه توحيد) (١).]

وقال أبو طالب المكي أيضا: (ومثل الإيمان في الأعمال، كمثل القلب في الجسم، لا ينفك أحدهما عن الآخر، لا يكون ذو جسم حي لا قلب له، ولا ذو قلب بغير جسم، فهما شيئان منفردان، وهما في الحكم والمعنى منفصلان.

ومثلهما أيضا مثل حبة لها ظاهر وباطن وهي واحدة. لا يقال: حبتان لتفاوت صفتهما. فكذلك أعمال الإسلام من الإسلام هو ظاهر الإيمان، وهو من أعمال الجوارح، والإيمان باطن الإسلام وهو من أعمال القلوب).

وقد سبق النقل عن شيخ الإسلام في إثبات أن الإيمان يستلزم الإسلام باتفاق، حيث قال: (فإن الإيمان مستلزم للإسلام باتفاقهم، وليس إذا كان الإسلام داخلا فيه يلزم أن يكون هو إياه، وأما الإسلام فليس معه دليل على أنه يستلزم الإيمان عند الإطلاق ... ولو قُدّر أن الإسلام يستلزم الإيمان الواجب فغاية ما يقال: إنهما متلازمان فكل مسلم مؤمن وكل مؤمن مسلم، وهذا صحيح إذا أريد أن كل مسلم يدخل الجنة معه الإيمان الواجب. وهو متفق عليه إذا أريد أن كل مسلم يثاب على عبادته فلا بد أن يكون معه أصل الإيمان).

وقال: (فإذا قيل: إن الإسلام والإيمان التام متلازمان لم يلزم أن يكون أحدهما هو الآخر كالروح والبدن، فلا يوجد عندنا روح إلا مع البدن ولا يوجد بدن حي إلا مع الروح وليس أحدهما الآخر. فالإيمان كالروح، فإنه قائم بالروح ومتصل بالبدن، والإسلام كالبدن، ولا يكون البدن حيا إلا مع الروح، بمعنى أنهما متلازمان، لا أن مسمى أحدهما هو مسمى الآخر، وإسلام المنافقين كبدن الميت، جسد بلا روح. وما من بدن حي إلا وفيه روح) (٢). الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين لمحمد بن محمود آل خضير - ١/ ١٢٠


(١) مجموع الفتاوى (٧/ ٣٣٣)، وكلام أبي طالب في "قوت القلوب" (٢/ ٢٥٠).
(٢) مجموع الفتاوى (٧/ ٣٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>