[المبحث الأول: الإيمان بالقدر يدعو إلى العمل والنشاط والسعي بما يرضي الله]
فالإيمان بالقدر مع أنه عقيدة يجب الإيمان بها, وركن من أركان الإيمان يكفر منكره، وليس له في الإسلام نصيب، وهذا وحده كاف في بيان أهميته, ووجوب الاعتناء به، إلا أن له آثاراً محسوسة ملموسة في حياة الناس، ومن ثم تميز هذا الركن عن بعض أركان الإيمان لامتزاجه في حياة الناس وأعمالهم وتصرفاتهم في كل لحظة.
١ - القدر من أكبر الدواعي التي تدعو إلى العمل والنشاط والسعي بما يرضي الله في هذه الحياة, والإيمان بالقدر من أقوى الحوافز للمؤمن لكي يعمل ويقدم على عظائم الأمور بثبات وعزم ويقين.
أما دعوى أن الإيمان بالقدر يدعو إلى الكسل والتواكل في حياة المسلمين فهذا مما روجه ويروجه الملحدون فهم يقولون: إن عقيدة القدر تدعو الإنسان إلى التعلل بالمكتوب, فيكسل ولا يقوم بالواجب الملقى عليه, ويضربون مثلاً لذلك بواقع الأمة الإسلامية المتخلف, والحقيقة أن واقع الأمة الإسلامية المتردي إنما نشأ ووجد لأسباب عديدة داخلية وخارجية, ومن الأسباب الداخلية: جهل المسلمين بحقيقة الإسلام, وعدم تفاعلهم معه التفاعل الجهادي الصادق الذي غير واقع الأرض أول مرة، ومن جوانب الجهل بحقيقة الإيمان والإسلام، الجهل بعقيدة القضاء والقدر، وذلك حين فهموا أن معنى القدر التسليم لما يقدره الله بالقعود عن تغيير ما أصاب الإنسان من فقر, أو مرض, أو جهل، لأن كل ذلك مقدر من عند الله فلا ينبغي مقاومته, وإنما يجب الاستسلام له وفقط، وكذلك حين فهموا أنه لا حاجة إلى الكد والعمل في طلب الرزق, لأن الرزق سيأتي صاحبه ولا ضرورة للنشاط والحركة.
فإذا وجد في المسلمين من يفهم هذا الفهم المنحرف في باب القدر والأخذ بالأسباب فليس عيباً في الإسلام وإنما هو عيب المسلمين الذين يفهمون هذا الفهم, لأن الكتاب والسنة مملوءان بالأوامر والتوجيهات للإنسان أن يعمل الصالحات, ويطلب الرزق, ويعمر الكون, وقد طبق هذه التوجيهات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فعلموا وكدوا, وأتعبوا أنفسهم في ابتغاء مرضاة الله, فجاهدوا, وصبروا, وفتحوا البلاد والعباد, وأقاموا حكم الله تعالى في الأرض, وما وجد فيهم من يقعد به إيمانه بالقدر عن ذلك, بل كان القدر أكبر داع وأكبر عامل لهم ليقوموا بما قاموا به رضوان الله عليهم.
فالمؤمنون مأمورون بالأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى, والإيمان بأن الأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله, لأن الله هو الذي خلق الأسباب, وهو الذي خلق النتائج, ويحرم على المسلم ترك الأخذ بالأسباب, ولو ترك إنسان السعي في طلب الرزق كان آثماً مع أن الأرزاق بيد الله تعالى, والرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل: أرأيت رقى نسترقي بها, وتقى نتقي بها, وأدوية نتداوى بها هل ترد من قدر الله شيئاً؟ قال: ((هي من قدر الله)) (١) فالالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل, والإعراض عن الأسباب المأمور بها قدح في الشرع، فعلى العبد أن يكن قلبه معتمداً على الله لا على سبب من الأسباب, والله ييسر له من الأسباب ما يصلحه في الدنيا والآخرة, فإن كانت الأسباب مقدورة له وهو مأمور بها فعلها مع التوكل على الله كما يؤدي الفرائض, وكما يجاهد العدو, ويحمل السلاح, ويلبس جنة الحرب, ولا يكتفي في دفع العدو على مجرد توكله بدون أن يفعل ما أمر به الجهاد.
(١) رواه الترمذي (٢٠٦٥). من حديث يعمر العذري والد أبي خزامة رضي الله عنه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصحح إسناده الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٨٤١) كما أشار إلى ذلك في المقدمة.