للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[- الأذن (بمعنى الاستماع)]

صفةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالحديث الصحيح الدليل: حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((ما أذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِه لنبي يتغنَّى بالقرآن يجهر به)) (١).

قال أبو عبيد القاسم بن سلام بعد أن أورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه بإسناده: أما قوله ((كأَذَنِه) يعني: ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبيٍ يتغنى بالقرآن، حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في قوله تعالى: وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ [الانشقاق:٢]؛ قال: سمِعَتْ أو قال: استمعت شكَّ أبو عبيد يُقال: أذنتُ للشيء آذَنُ له أذَناً: إذا استمعتُه اهـ (٢) وقال البغوي: قوله: ((ما أذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِه)) يعني: ما استمع الله لشيء كاستماعه، والله لا يشغله سمع عن سمع، يقال: أذِنْتُ للشيء آذَنُ أذَناً بفتح الذال: إذا سمعت له) (٣) وقال الخطابي في: قوله: ((ما أذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِه لنبي يتغنى بالقرآن)) الألف والذال مفتوحتان، مصدر أذِنْتُ للشيء أذناً: إذا استمعت له، ومن قال: (كإذنه) فقد وهم. اهـ (٤).

وقال ابن كثير بعد أن أورد حديث: ((لم يأذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن)) قال: ومعناه أنَّ الله تعالى ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية، وذلك هو الغاية في ذلك، وهو سبحانه وتعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم، كما قالت عائشة رضي الله عنها: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات (٥)، ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم؛ كما قال تعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [يونس: ٦١] الآية، ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ؛ كما دل عليه هذا الحديث العظيم، ومنهم من فسر الأذَن ها هنا بالأمر، والأوَّل أولى؛ لقوله: ((ما أذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِه لنبي يتغنى بالقرآن) أي: يجهر به، والأذَن: الاستماع؛ لدلالة السياق عليه ولهذا جاء في حديث رواه ابن ماجة بسند جيد عن فضالة بن عبيد؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد أذَناً إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القَيْنةِ إلى قينتِه)) (٦) اهـ.

قلت: حديث فضالة رُوي بإسنادين ضعيفين: الأوَّل: منقطع، من رواية إسماعيل بن عبيد الله عن فضالة بن عبيد، رواه أحمد في (المسند ٦/ ١٩)، والحاكم في (المستدرك ١/ ٥٧١)، وقال: على شرط البخاري، قال الذهبي: قلت: بل هو منقطع.

والإسناد الثاني: موصول، رواه ابن ماجة (١٣٤٠) من طريق إسماعيل بن عبيد الله عن ميسرة مولى فضالة عن فضالة به، وعلته ميسرة، قال عنه الذهبي في الميزان: ما حدَّث عنه سوى إسماعيل بن عبيد الله، وقال في (الكاشف): نكرة، وقال ابن حجر في (التقريب): مقبول.

قال الأزهري: وفي الحديث: ((ما أذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِه لنبي يتغنى بالقرآن) قال أبو عبيد: يعني: ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن يقال: أذِنْتُ للشيء آذنُ له: إذا استمعت له)) (٧) وقال ابن منظور في (لسان العرب): قال ابن سيدة: وأذن إليه أذَنا ً: استمع، وفي الحديث: ((ما أذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِه لنبي يتغنى بالقرآن))، قال أبو عبيد ثم ذكر كلام أبي عبيدٍ السابق.

وقال ابن فارس: ويقال للرجل السامع من كلِّ أحدٍ: أُذُن، قال الله تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ [التوبة: ٦١] والأذَن: الاستماع، وقيل: أذَنٌ؛ لأنه بالأذُن يكون اهـ (٨) قلت: هذا في حق المخلوقين، أما الخالق سبحانه وتعالى؛ فشأنه أعظم، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:١١]؛ فنحن نقول: إنَّ الله يأذن أذَناً؛ أي: يستمع استماعاً بلا كيف. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص٤٧


(١) رواه البخاري (٥٠٢٤)، ومسلم (٧٩٣) واللفظ له.
(٢) ((غريب الحديث)) (١/ ٢٨٢).
(٣) ((شرح السنة)) (٤/ ٤٨٤).
(٤) ((غريب الحديث)) (٣/ ٢٥٦).
(٥) رواه البخاري (٧٣٨٥). عن عائشة رضي الله عنها.
(٦) ((فضائل القرآن)) (ص١١٤ - ١١٦).
(٧) ((تهذيب اللغة)) (١٥/ ١٦).
(٨) ((معجم مقاييس اللغة)) (١/ ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>