للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السابع: تغيير الابن على والده]

لقد جعل الله سبحانه وتعالى للوالدين حقوقاً كثيرة وكبيرة فمهما عمل الولد تجاه والديه فإنه لا يعتبر موفياً حقوقهما بل ولا جزءاً منها.

والدليل على ذلك أن الله –سبحانه وتعالى- قرن طاعته بطاعتهم قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: ٢٣ - ٢٤].

قال القرطبي –رحمه الله- أمر الله –سبحانه- بعبادته وتوحيده وجعل بر الوالدين مقروناً بذلك، كما قرن شكرهما بشكره فقال: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان: ١٤] وقال: والبر بهما والإحسان إليهما أن لا يتعرض لسبهما ولا يعقهما فإن ذلك من الكبائر بلا خلاف (١).

وقد ورد في صحيح البخاري أن عبد الله سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ فقال: ((الصلاة على وقتها. قال ثم أي؟ قال: بر الوالدين)) (٢) الحديث.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك)) (٣).

وعن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله حرم عقوق الأمهات)) (٤) الحديث.

وعن أبي بكرة عن أبيه –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال الإشراك بالله، وعقوق الوالدين .. )) (٥) الحديث.

فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على عظمة حقوق الوالدين، فقبل أن يقدم على أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر عليه أن يضع قاعدة طاعتهما وحقوقهما نصب عينيه.

وكون لهما هذه الحقوق العظيمة فإن ذلك لا يعني ولا يمنع من أن يأمرهما بالمعروف وينهاهما عن المنكر، فهما من جملة من أمر الله بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، إلا أنه بناء على الحقوق التي جعلها الله لهما فإنه يجب أن يكون هناك أسلوب خاص عند أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعبد العزيز بن أحمد المسعود – ص ٥٥٦

فعلى المحتسب أن يراعي عند الاحتساب على الوالدين زيادة الرفق بهما والتلطف لهما .. وأن لا يتعدى ذلك إلى الشتم أو الضرب مثلاً (٦).

سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل له والدة تسيء الصلاة والوضوء؟

قال: يأمرها ويعلمها، قال: تأبى أن يعلمها، تقول: أنا أكبر منك تعلمني! قال فترى له أن يهجرها أو يضربها على ذلك؟ قال: لا، ولكن يعلمها ويقول لها، وجعل يأمره أن يأمرها بالرفق (٧).

هذا وإن على المحتسب على الوالدين ملاحظة أمرين:

الأول: أن يفرق بين ما إذا كان المنكر متعلقاً بشخص أحد الوالدين فإنه ليس له ضربه ولا تقبيحه.

الثاني: إن كان المنكر غير متعلق بشخصهما، وإنما كان تعلقه بالدار أو المال أو المركب، ففي هذه الحال عليه أن ينظر إلى نوع هذا المنكر وحجمه ومدى أثره وإثمه، بالإضافة إلى النظر إلى ما يترتب على إزالته له من سخط الوالد أو الوالدة .. فإن كان لا يترتب على إزالته مفسدة أعظم، أزاله وإلا فلا.

ومثل هذا يقال في احتساب الزوجة على زوجها، والعبد مع سيده، بخلاف التلميذ مع شيخه فإنه يعامله بموجب علمه لأنه لا حرمة لعالم لا يعمل بعلمه (٨).

وهذا الإحسان والرفق مطلوب حتى مع الأبوين الكافرين كما قال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان: ١٥]. مع مراعاة أصل الولاء والبراء. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخالد بن عثمان السبت – ص ٢٧٤


(١) ((الجامع لأحكام القرآن)) م٥ (١٠/ ٢٣٨).
(٢) رواه البخاري (٥٢٧)، ورواه مسلم (٨٥).
(٣) رواه البخاري (٥٩٧١)، ومسلم (٢٥٤٨).
(٤) رواه البخاري (٢٤٠٨)، ومسلم (٥٩٣).
(٥) رواه البخاري (٥٩٧٦)، ومسلم (٨٧).
(٦) انظر: ((الآداب الشرعية)) (١/ ٤٤٩ - ٤٥٠)، ((الفروق)) للقرافي (٤/ ٢٥٦).
(٧) ((مسائل الإمام أحمد)) لأبي داود (ص: ٢٧٩).
(٨) انظر: ((تنبيه الغافلين)) لابن النحاس (ص: ٧٠ - ٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>