للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الخامس: الجن يموتون ويبعثون بعد الموت]

والجن مخلوقات تموت كما يموت الإنس، فمن الأدلة القرآنية على موتهم قوله تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ [الأحقاف: ١٨].

قال الألوسي: (واستدل بقوله عز وجل: فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ [الأحقاف: ١٨]. الآية على أن الجن يموتون قرناً بعد قرن كالأنس) (١). وروي عن الحسن في بعض مجالسه: أن الجن لا يموتون، فاعترضه قتادة بهذه الآية فسكت (٢). ويقول ابن حجر الهيتمي معلقاً على قول الحسن هذا: (الآية دليل على أنهم يموتون، فإن أراد الحسن أنهم لا يموتون مثلنا، بل ينظرون مع إبليس، فإذا مات ماتوا معه، قلنا: إن أراد ذلك في بعضهم كشياطين إبليس وأعوانه فهو محتمل، وإن أراد ذلك نافاه ما ورد من الوقائع الكثيرة في موتهم) (٣). قال القاضي بدر الدين الشبلي: (ومعنى قول الحسن أن الجن لا يموتون أنهم منظرون مع إبليس، فإذا مات ماتوا معه, وظاهر القرآن يدل على أن إبليس غير مخصوص بالانظار إلى يوم القيامة، أما ولده وقبيله فلم يقم دليل على أنهم منظرون معه وظاهر قوله تعالى: قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ [الأعراف: ١٥]. يدل على أن ثمَّ منظرين غير إبليس، وليس في القرآن ما يدل على أن المنظرين هم الجن كلهم، فيحتمل أن يكون بعض الجن منظرين، أما كلهم فلا دليل عليه) (٤).

وسئل ابن حجر عن موت الجن فقال: (كل الحيوانات يموتون، وكذلك سائر العالم، لقوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن: ٢٦]. مع قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: ٨٨]).

وأما الدليل من السنة على موتهم:

فعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون)) (٥). وهو أصرح الأحاديث الدالة على موت الجن ...

وأخرج عن ابن جرير عن ابن عباس قال: (وكل ملك الموت بقبض أرواح المؤمنين والملائكة, وملك بالجن، وملك بالشياطين، وملك بالطير والوحوش والسباع والحيات، فهم أربعة أملاك) (٦).

... حديث الفتى الذي صرعه الجني، وفيه دليل على أن الجن يموتون، فقد ورد في الحديث: ((فما يدرى أيهما أسرع موتاً الحية أم الفتى)) (٧). وقد كانت تلك الحية من الجن الذين يسكنون المدينة، لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: ((إن في المدينة جناً قد أسلموا .. )) (٨).

وأما عن بعثهم بعد الموت فإن كثيراً من الآيات القرآنية التي توعدت العصاة والكفرة، قد دلت على بعثهم بعد الموت ومحاسبتهم على أعمالهم، قال الله تعالى في سؤال الكفرة من الجنسين في الآخرة: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ بلى [الأنعام: ١٣٠]. وقوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: ١١٩]. عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة لعبد الكريم عبيدات -بتصرف - ص ٥٢


(١) ((تفسير روح المعاني)) (٢٦/ ٢١).
(٢) ((تفسير روح المعاني)) (٢٦/ ٢١).
(٣) ((الفتاوى الحديثية)) (ص: ٧١).
(٤) ((آكام المرجان في أحكام الجان)) (ص: ١٥٢).
(٥) رواه البخاري (٧٣٨٣)، ومسلم (٢٧١٧).
(٦) ((الفتاوى الحديثية)) (ص: ٧١).
(٧) رواه مسلم (٢٢٣٦). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٨) رواه مسلم (٢٢٣٦). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>