للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: من يشملهم الحساب]

الناس في يوم القيامة يردون فصل القضاء طوائف متفرقة, وأصنافاً شتى, منهم من يستحق غاية الإكرام, ومنهم من يستحق غاية التعذيب, ومنهم من هو بين ذلك.

فهناك الأنبياء, وهناك المؤمنون – السابقون منهم والمقتصدون -, وهناك من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً, وهناك كفارهم أعداء الله ومحل سخطه وبغضه.

إنهم يردون أصنافاً شتى لا يعلمهم إلا الله تعالى, فمن من هؤلاء يحاسب؟ ومن من هؤلاء لا يحاسب, بل يكرمهم الله فلا يحاسبهم؟

قد أجمل القرطبي رحمه الله الجواب عن هذه الأصناف بالنسبة للحساب, فقسمهم إلى ثلاثة فرق فقال:

(فرقة: لايحاسبون أصلاً, وفرقة: تحاسب حساباً يسيراً – وهما من المؤمنين - وفرقة: تحاسب حساباً شديداً, يكون منها مسلم وكافر, وإذا كان من المؤمنين من يكون أدنى إلى رحمة الله, فلا يبعد أن يكون من الكفار من هو أدنى إلى غضب الله, فيدخله النار بغير حساب) (١).

والواقع أن الإجابة تحتاج إلى تفصيل أكثر لطوائف الناس, وسنذكر فيما يلي تفصيل ما قيل عن كل طائفة:

١ - أما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:

ففي محاسبة الله تعالى لهم خلاف بين العلماء, وسبب الخلاف فيهم هو ما جاء فى قوله تعالى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إليهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:٦]

فإن هذه الآية تدل على أن الله يحاسب جميع البشر؛ الرسل والمرسل إليهم, وهذا هو ما يذهب إليه بعض العلماء.

قال الرازي في إثبات أن السؤال يقع على الأنبياء والأمم أيضاً:

(المسألة الثانية: الذين أرسل إليهم هم الأمة, والمرسلون هم الرسل, فبين تعالى أنه يسأل هذين الفريقين. قال: ونظير هذه الآية قوله: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر: ٩٢, ٩٣]) (٢)

وقال أيضاً في معرض عده للمسائل التي اشتملت عليها الآية:

(المسألة الرابعة: الآية تدل على أنه تعالى يحاسب كل عباده؛ لأنهم لا يخرجون عن أن يكون رسلاً أو مرسلاً إليهم, ويبطل قول من يزعم أنه لا حساب على الأنبياء والكفار) (٣).

ويذكر ابن كثير أن الله تعالى يسأل الأنبياء عن تبيلغ أقوامهم رسالة الله تعالى, فقال: (فيسأل الله الأمم يوم القيامة عما أجابوا رسله فيما أرسلهم به, ويسأل الرسل أيضاً عن إبلاغ رسالاته. ثم نقل عن ابن عباس في تفسير الآية: أن الله يسأل الرسل عما بلغوا) (٤)

ويذكر الشوكاني في معنى الآية: وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:٦] (أن السؤال للأنبياء الذين بعثهم الله: أي نسألهم عما أجاب به أمهم عليهم, ومن أطاع منهم ومن عصى, وقيل: المعنى فلنسألن الذين أرسل إليهم يعني الأنبياء, ولنسألن المرسلين يعني الملائكة) (١).

وقال السفاريني عن مسألة حسابهم: (والجواب أنه لاحساب على الأنبياء عليهم السلام على سبيل المناقشة والتقريع). (٢)

ويقول النسفي فيما ينقله عنه السفاريني: (الأنبياء لاحساب عليهم, وكذلك أطفال المؤمنين, وكذلك العشرة المبشرة بالجنة, هذا فى حساب المناقشة, وعموماً الآيات الكريمة مخصوص بأحاديث من يدخل الجنة بغير حساب, ولهذا قال علماؤنا في عقائدهم: ويحاسب المسلمون المكلفون, إلا من شاء الله أن يدخل الجنة بغير حساب وكل مكلف مسؤول, ويسأل من شاء من الرسل عن تبليغ الرسالة, ومن شاء من الكفار عن تكذيب الرسل) (٣).

وعلى القول بأنهم يسألون – ومعلوم أنه لا ذنوب لهم ليحاسبوا عليها – فما المقصود من وقوع السؤال عليهم؟


(١) ((التذكرة)) (ص ٣٤٣).
(٢) ((التفسير الكبير)) (١٤ – ٢٢).
(٣) ((التفسير الكبير)) (١٤/ ٢٤).
(٤) ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>