للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالثابت هنا هو تميز كل فريق عن الفريق الآخر, دون تحديد للجهات التي ذكرها الحافظ ابن كثير رحمه الله, كما في الآية السابقة, وكذا في قوله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ [يونس: ٢٨].

قال ابن كثير في معني الآية: ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ [يونس: ٢٨]: (الزموا أنتم وهم مكانا معينا، امتازوا فيه عن مقام المؤمنين). (٤)

وقال تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ. [الروم: ١٤]

وفسر الرازي هذا التفرق بأنه: (يجعل فريق في الجنة, وفريق في السعير) (٥).

وقال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ [الروم: ٤٣] أي يصيرون فرقتين

وبمثل ما فسر الرازي هذا التفرق فسره كذلك الشوكاني حيث قال: (والمراد بتفرقهم هاهنا: أن أهل الجنة يصيرون إلى الجنة وأهل النار يصيرون إلى النار) (١).

وقال تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إلى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [الصافات: ٢٢ - ٢٣]

وهذه الآية فسرها بعضهم بأن كل صنف يتميز مع مثله, فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قول الله: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ [الصافات: ٢٢]، قال: (أمثالهم, الذين هم مثلهم, يجيء أصحاب الربا مع أصحاب الربا, وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر, أزواج في الجنة, وأزواج في النار).

وفي رواية عن ابن عباس: قال: (أشباههم) , وفي لفظ: (نظراءهم)، وفي رواية عن عكرمة مثله.

وعن مجاهد قال: (أمثالهم, القتلة مع القتلة, والزناة مع الزناة, وأكلة الربا مع أكلة الربا) (٢).

وخلاصة ما قيل عن تميز المؤمنين عن غيرهم, وتميز كل فرقة بمفردها: أن الله تعالى أمر بأن يتميز أهل محبته ورضوانه عن أهل عداوته وعصيانه, إلى حيث يشاء سبحانه وتعالى, كما أمر أن ينفرد أهل عصيانه عن أهل طاعته, ليكون لكل فرقة من الفرق موضع يليق بها, وليعرف كل فريق حاله. الحياة الآخرة لغالب عواجي- ٢/ ٩٢٥


(١) ((فتح القدير)) (٤/ ٢٢٩).
(٢) انظر: ((الدر المنثور)) (٧ – ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>