للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: قولهم في الإيمان]

ذهب جهم ومن وافقه إلى أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط، وأن الكفر هو الجهل به فقط، وأن قول اللسان وعمل القلب والجوارح ليس من الإيمان، وأن الإيمان شيء واحد لا يتفاضل ولا يستثنى منه.

وهذا أفسد قول قيل في الإيمان، ولهذا كفر أحمد ووكيع وغيرهما من قال بذلك.

قال الأشعري في المقالات: اختلفت المرجئة في الإيمان ما هو؟ وهم اثنتا عشرة فرقة: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الإيمان بالله هو المعرفة بالله وبرسله وبجميع ما جاء من عند الله فقط، وأن ما سوى المعرفة من الإقرار باللسان والخضوع بالقلب والمحبة لله ولرسوله والتعظيم لهما والخوف منهما والعمل بالجوارح فليس بإيمان، وزعموا أن الكفر بالله هو الجهل به، وهذا قول يحكى عن جهم بن صفوان (١).

وقال الشهرستاني في بيان أقوال جهم: ومنها قوله: من أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه لم يكفر بجحده؛ لأن العلم والمعرفة لا يزولان بالجحد، فهو مؤمن. قال: والإيمان لا يتبعض، أي لا ينقسم إلى عقد وقول وعمل. قال: ولا يتفاضل أهله فيه، فإيمان الأنبياء وإيمان الأمة على نمط واحد؛ إذ المعارف لا تتفاضل. وكان السلف كلهم من أشد الرادين عليه، ونسبته إلى التعطيل المحض (٢).

وقال شيخ الإسلام بعد نقل كلام الأشعري عن فرق المرجئة: (فهذه الأقوال التي ذكرها الأشعري عن المرجئة يتضمن أكثرها أنه لابد في الإيمان من بعض أعمال القلوب عندهم، وإنما نازع في ذلك فرقة يسيرة كجهم والصالحي) (٣).

وقال: (ولابد أن يكون مع التصديق شيء من حب الله وخشية الله، وإلا فالتصديق الذي لا يكون معه شيء من ذلك ليس إيمانا البتة، بل هو كتصديق فرعون واليهود وإبليس، وهذا هو الذي أنكره السلف على الجهمية. قال الحميدى: سمعت وكيعا يقول: أهل السنة يقولون: الإيمان قول وعمل، والمرجئة يقولون: الإيمان قول، والجهمية يقولون: الإيمان المعرفة. وفى رواية أخرى عنه: وهذا كفر. قال محمد بن عمر الكلابي: سمعت وكيعا يقول: الجهمية شر من القدرية. قال: وقال وكيع: المرجئة الذين يقولون الإقرار يجزئ عن العمل، ومن قال هذا فقد هلك، ومن قال: النية تجزئ عن العمل فهو كفر، وهو قول جهم، وكذلك قال أحمد بن حنبل) (٤).

وقال: (بل قد كفر أحمد بن حنبل ووكيع وغيرهما من قال بقول جهم في الإيمان) (٥).

وقال: (وأما جهم فكان يقول: إن الإيمان مجرد تصديق القلب وإن لم يتكلم به، وهذا القول لا يعرف عن أحد من علماء الأمة وأئمتها، بل أحمد ووكيع وغيرهما كفروا من قال بهذا القول، ولكن هو الذي نصره الأشعري وأكثر أصحابه، ولكن قالوا مع ذلك: إن كل من حكم الشرع بكفره حكمنا بكفره واستدللنا بتكفير الشارع له على خلو قلبه من المعرفة) (٦).


(١) ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٢١٤).
(٢) ((الملل والنحل)) (١/ ٧٤)، وانظر: ((الفصل)) لابن حزم (٣/ ٢٢٧).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٤٩).
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٣٠٧).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ١٢٠)، وانظر (١٤/ ١٢١)، (٧/ ٤٠٥)، (١٠/ ٢٧٢).
(٦) ((مجموع الفتاوى)) (١٣/ ٤٧)، وسيأتي بيان مذهب الأشعري وأصحابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>