للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: التفاضل بين الرسل]

قال سبحانه وتعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة: ٢٥٣]. فهذا نص في التفاضل بين الرسل خاصة من جملة الأنبياء، فقد ذكرهم الله عز وجل نصاً فقال: تِلْكَ الرُّسُلُ ثم ذكر سبحانه رسلاً مبيناً أوجه فضلهم.

وقال سبحانه: وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [الإسراء: ٥٥]. والرسل داخلون في هذا الإطلاق وهو إطلاق يفهم منه تفاضل الرسل فيما بينهم فإنه غير مانع من أن يكون الرسل من الأنبياء متفاضلين فيما بينهم.

وأفضل الرسل أولوا العزم منهم، قال سبحانه وتعالى آمراً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ [الأحقاف: ٣٥]. فامتدحهم الله عز وجل بالعزم, وخصهم بالذكر من بين رسله، وأمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وقد فضله على جميع خلقه أن يقتدي بهم.

يقول ابن تيمية رحمه الله: (أفضل أولياء الله هم أنبياؤه، وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم، وأفضل المرسلين أولو العزم) (١). وقال ابن كثير: (لا خلاف أن الرسل أفضل من بقية الأنبياء, وأن أولي العزم منهم أفضلهم) (٢).

ومعنى العزم الذي امتدحهم الله وفضله به: الحزم والصبر، فإن العزم في أصل اللغة دال على الصريمة والقطع واجتماع القلب على الشيء، وفي كتاب الله ما يدل على تفسير العزم بالصبر دلالة ظاهرة قال سبحانه: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [آل عمران: ١٨٦]. وقال سبحانه حاكياً قول لقمان لابنه: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [لقمان: ١٧]. وقال سبحانه: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [الشورى: ٤٣]. وفي ذات الآية المذكورة فيها أولو العزم بهذه الصفة ذكر الصبر فقد أمر الله فيها نبيه بالصبر اقتداء بأولي العزم في صبرهم.

والمقصود بالصبر، الصبر على أعباء الرسالة, وأمانة أدائها, وتحمل مشاقها، والصبر على أذى المرسل إليهم، مع الحزم في الدعوة وأداء الرسالة، ونحوه من المعاني. مباحث المفاضلة في العقيدة لمحمد بن عبدالرحمن الشظيفي – ص: ١٢٩


(١) ((الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)) (ص: ٧).
(٢) ((التفسير)) (٣/ ٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>