للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: تأثير عارض الجهل على توحيد الأسماء والصفات]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في معرض حديثه عن توحيد الأسماء والصفات: (الأصل في هذا الباب أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله نفياً وإثباتاً، فيثبت لله ما أثبته لنفسه، وينفى عنه ما نفاه عن نفسه. وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل. وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه – مع ما أثبته من الصفات – من غير إلحاد لا في أسمائه ولا في آياته، فإن الله ذم الذين يلحدون في أسمائه وآياته، كما قال تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأعراف: ١٨٠].

فمن عدل بأسماء الله وصفاته عن حقائقها ومعانيها الصحيحة، فقد وقع في الإلحاد. والإلحاد في أسماء الله وصفاته أنواع:

(النوع الأول: أن تسمى الأصنام بها، كتسمية اللات من الإله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان.

النوع الثاني: تسميتة سبحانه وتعالى بما لا يليق به، كتسمية النصارى له أبا، وتسمية الفلاسفة له موجبا أو علة فاعلة.

النوع الثالث: وصفه سبحانه وتعالى بما ينزه عنه من النقائص، كقول اليهود الذين قالوا: إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء [آل عمران: ١٨١]، وقولهم يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة: ٦٤]، وأنه استراح يوم السبت، تعالى الله عما يقولون.

النوع الرابع: جحد معانيها وحقائقها، كقول الجهمية إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني، فالسميع لا يدل على سمع، والبصير لا يدل على بصر، والحي لا يدل على حياة، ونحو ذلك.

النوع الخامس: تشبيه صفاته بصفات خلقه، كقول المثل: يده كيدي إلى غير ذلك، تعالى الله.

وقد توعد الله الملحدين في أسمائه وآياته بأشد الوعيد، فقال سبحانه في الآية (١٨٠) من سورة الأعراف: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ، وقال في الآية (٤٠) من سورة فصلت: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا) (١).

غير أن الإلحاد يختلف حكمه من شخص لآخر، فمن ألحد كفرا وعنادا، ليس كمن ألحد جهلاً وتأولاً وهو مؤمن ومن غير قصد للإلحاد. فهذا الإمام ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس: ٧٧ - ٧٩]، يورد سبب نزولها وأنها في أبي بن خلف، فقال: (قال مجاهد وعكرمة وعروة بن الزبير والسدي وقتادة: جاء أبي بن خلف – لعنه الله – إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم، وهو يفته ويذروه في الهواء وهو يقول: يا محمد، أتزعم أن الله يبعث هذا؟، قال صلى الله عليه وسلم ((نعم، يُميتك الله ثم يبعثك، ثم يحشرك إلى النار)) (٢).


(١) ((شرح العقيدة الواسطية)) للفوزان (ص: ١٦).
(٢) رواه الطبري في تفسيره (٢٠/ ٥٥٣ - ٥٥٤)، وانظر: ((تفسير ابن كثير)) (٣/ ٥٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>