الرسل سفراء الله إلى عباده، وحملة وحيه، ومهمتهم الأولى هي إبلاغ هذه الأمانة التي تحملوها إلى عباد الله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة: ٦٧]، والبلاغ يحتاج إلى الشجاعة وعدم خشية الناس، وهو يبلغهم ما يخالف معتقداتهم، ويأمرهم بما يستنكرونه، وينهاهم عمّا ألفوه، الّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاّ اللهَ [الأحزاب: ٣٩].
والبلاغ يكون بتلاوة النصوص التي أوحاها الله من غير نقصان ولا زيادة اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ [العنكبوت: ٤٥]، كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا [البقرة: ١٥١]، فإذا كان الموحى به ليس نصاً يتلى، فيكون البلاغ ببيان الأوامر والنواهي والمعاني والعلوم التي أوحاها الله من غير تبديل ولا تغيير.
ومن البلاغ أن يوضح الرسول الوحي الذي أنزله الله لعباده، لأنّه أقدر من غيره على التعرف على معانيه ومراميه، وأعرف من غيره بمراد الله من وحيه، وفي ذلك يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ [النحل: ٤٤].
والبيان من الرسول للوحي الإلهي قد يكون بالقول، فقد بين الرسول – صلى الله عليه وسلم – أموراً كثيرة استشكلها أصحابه، كما بين المراد من الظلم في قوله تعالى: الّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوَاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مّهْتَدُونَ [الأنعام: ٨٢]، فقد بين الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن المراد به الشرك، لا ظلم النفس بالذنوب.
وكما بيّن الرسول – صلى الله عليه وسلم – الآيات المجملة في الصلاة والزكاة والحج وغير ذلك بقوله.
وكما يكون البيان بالقول يكون بالفعل، فقد كانت أفعال الرسول – صلى الله عليه وسلم – في الصلاة والصدقة والحج وغير ذلك بياناً لكثير من النصوص القرآنية. وعندما يتولى الناس، ويعرضون عن دعوة الرسل، فإن الرسل لا يملكون غير البلاغ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ [آل عمران: ٢٠]. الرسل والرسالات لعمر الأشقر - ص ٤٣