للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خامسا: أن يحفظ للعالم قدره، ولا يجحد محاسنه]

قال الذهبي في ترجمة القفال الشاشي: (قال أبو الحسن الصفار: سمعت أبا سهل الصعلوكي، وسئل عن تفسير أبي بكر القفال، فقال: (قدسه من وجه، ودنسه من وجه)، أي دنسه من جهة نصر الاعتزال، قلت: قد مر موته، والكمال عزيز – وإنما يمدح العالم بكثرة ماله من الفضائل، فلا تدفن المحاسن لورطة، ولعله رجع عنها، وقد يغفر له في استفراغه الوسع في طلب الحق، ولا حول ولا قوة إلا بالله) (١).

واستدرك الإمام المحقق ابن القيم رحمه الله بعض ألفاظ الشيخ أبي إسماعيل الهروي، وقال: (في هذا اللفظ قلق وسوء تعبير، يجبره حسن حال صاحبه وصدقه، وتعظيمه لله ورسوله، ولكن أبى الله أن يكون الكمال إلا له) (٢).

وقال أيضاً: (شيخ الإسلام حبيبنا، ولكن الحق أحب إلينا منه، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: (عمله خير من علمه)، وصدق رحمه الله، فسيرته بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجهاد أهل البدع، لا يشق له فيها غبار، وله المقامات المشهورة في نصرة الله ورسوله، وأبى الله أن يكسو ثوب العصمة لغير الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، وقد أخطأ في هذا الباب لفظاً ومعنى .. ) (٣) .. حرمة أهل العلم لمحمد إسماعيل المقدم – ص: ٣٧٧

بحيث لا نسقط مكانته من نفوس الناس ولا نشنع عليه من أجلها ونلغي ما عنده من العلم وموافقة الحق مع التحذير من الزلة التي وقعت منه وتحذير الأمة من الاغترار بها ومتابعتها.

أقوال أهل العلم في ذلك:

قال الإمام الشاطبي رحمه الله:

(لا ينبغي أن ينسب صاحبها – أي الزلة – إلى التقصير ولا أن يشنع عليه بها ولا ينتقص من أجلها أو يعتقد فيه المخالفة بحتاً فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين) (٤) اهـ

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله:

(من له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان قد يكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده فلا يجوز أن يتبع فيها ولا يجوز أن تهدر مكانته ومنزلته في قلوب المسلمين) (٥) اهـ

ثم اعلم أن الزلات تتفاوت فمنها ما يكون ذا أثر على الناس فيجب في هذه الحالة تحذيرهم من الاغترار بها وليكن هذا التحذير بأسلوب حسن بحيث لا يشعر الناس بالتنقص من هذا العالم ولا يطعن في العالم ولا في رتبته.

وأما إن كانت غير مؤثرة على الناس فيجب سترها وإقالة عثرة هذا العالم.

كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود)) (٦)، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((من أقال مسلماً أقال الله عثرته)) (٧).

فالعلماء ولا شك من ذوي الهيئات الذين تقال عثراتهم. تحذير الفضلاء من اتباع زلات العلماء – عقيل بن محمد بن زيد المقطري - ص: ٢٠


(١) ((سير أعلام النبلاء)) (١٦/ ٢٨٥).
(٢) ((مدارج السالكين)) (٣/ ١٥٠).
(٣) ((مدارج السالكين)) (٣/ ٥٢١)، (١/ ٢٢٧، ٢٦٣)، (٢/ ٣٧)، (٢/ ٥٢).
(٤) ((الموافقات)) (٤/ ١٧٠ - ١٧١).
(٥) ((أعلام الموقعين)) (٣/ ٢٩٥).
(٦) رواه أبو داود في سننه (برقم ٤٣٧٥) وأحمد (٦/ ١٨١) (٢٥٥١٣). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (٢/ ٣٨٣): في إسناده اختلاف يسير لا يضره، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٣/ ٤٢٠) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(٧) رواه ابن حبان (١١/ ٤٠٥) (٥٠٣٠)، والبيهقي (٦/ ٢٧) (١٠٩١٣). والحديث حسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٣/ ١٧١) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وصححه السخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (٤٦٥)، والعجلوني في ((كشف الخفاء)) (٢/ ٢٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>