للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ست وأربعون: الآثار الإيمانية لاسم الله الحكم –الحكيم]

١) أن الحكم لله وحده لا شريك له في حكمه، كما لا شريك له في عبادته، قال تعالى وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف: ٢٦] وقال فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا.

وقال سبحانه إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ [الأنعام: ٥٧].

وقال جل شأنه وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: ٧٠].

وقال أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام: ٦٢].

وقال وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى: ١٠].

وقال ابن الحصار: وقد تضمن هذا الاسم (يعني –الحكم-) جميع الصفات العلى والأسماء الحسنى، إذ لا يكون حكماً إلا سميعاً بصيراً عالماً خبيراً إلى غير ذلك، فهو سبحانه الحكم بين العباد في الدنيا والآخرة في الظاهر والباطن، وفيما شرع من شرعه، وحكم من حكمه وقضاياه على خلقه قولاً وفعلاً، وليس ذلك لغير الله تعالى، ولذلك قال وقوله الحق: لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: ٧٠].

وقال: الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود: ١]. فلم يزل حكيماً قبل أن يحكم، ولا ينبغي ذلك لغيره (١).

قال الشنقيطي رحمه الله تعالى:

وبذلك تعلم أن الحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، فكل تشريع من غيره باطل، والعمل به بدل تشريع الله عند من يعتقد أنه مثله أو خير منه، كفر بواح لا نزاع فيه. اهـ (٢).

ثم بين رحمه الله أن الله سبحانه بصفاته العظيمة يستحق أن يكون له الحكم، فهل يوجد في البشر من له مثل صفات خالقه ليشارك ربه في الحكم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً!

فتعال معي أخي القارئ لنطلع على ما سطره في هذه المسألة في كتابه القيم (أضواء البيان)، قال رحمه الله:

مسألة

اعلم أن الله جل وعلا بين في آيات كثيرة، صفات من يستحق أن يكون الحكم له، فعلى كل عاقل أن يتأمل الصفات المذكورة، التي سنوضحها الآن إن شاء الله، ويقابلها مع صفات البشر المشرعين للقوانين الوضعية، فينظر هل تنطبق عليهم صفات من له التشريع.

سبحان الله وتعالى عن ذلك. فإن كانت تنطبق عليهم ولن تكون، ليتبع تشريعهم.

وإن ظهر يقيناً أنهم أحقر وأخس وأذل وأصغر من ذلك، فليقف بهم عند حدهم، ولا يجاوزه بهم إلى مقام الربوبية.

سبحانه وتعالى أن يكون له شريك في عبادته، أو حكمه أو ملكه.

فمن الآيات القرآنية التي أوضح بها تعالى صفات من له الحكم والتشريع قوله هنا: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ، ثم قال مبيناً صفات من له الحكم ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الشورى: ١٠ – ١٢].


(١) ((الكتاب الأسنى))
(٢) ((أضواء البيان)) (٧/ ١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>