للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع: مذهب الكرامية]

وقد ذهبت الكرامية إلى أن الإيمان قول باللسان فقط، وأنه شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، ولا يستثنى فيه.

قال الأشعري في المقالات: (والفرقة الثانية عشرة من المرجئة: الكرامية، أصحاب محمد بن كرَّام، يزعمون أن الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان دون القلب، وأنكروا أن تكون معرفة القلب أو شيء غير التصديق باللسان إيمانا، وزعموا أن المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله كانوا مؤمنين على الحقيقة، وزعموا أن الكفر بالله هو الجحود والإنكار له باللسان) (١).

... الكرامية تسمي المنافق مؤمنا، ولكنهم يحكمون بأنه مخلد في النار ...

وقال ابن منده: (وقالت طائفة منهم - أي المرجئة -: الإيمان فعل اللسان دون القلب، وهم أهل الغلو في الإرجاء) (٢).

وقال ابن حزم: (وذهب قوم إلى أن الإيمان هو الإقرار باللسان بالله تعالى، وإن اعتقد الكفر بقلبه، فإذا فعل ذلك فهو مؤمن من أهل الجنة، وهذا قول محمد بن كرام السجستاني وأصحابه) (٣).

... وما ذكره ابن حزم هنا خطأ على الكرامية، فإنهم لا يحكمون بنجاة المنافق، بل يقولون إنه مخلد في النار.

قال شيخ الإسلام: (والكرامية توافق المرجئة والجهمية في أن إيمان الناس كلهم سواء، ولا يستثنون في الإيمان، بل يقولون: هو مؤمن حقا، لمن أظهر الإيمان، وإذا كان منافقا فهو مخلد في النار عندهم، فإنه إنما يدخل الجنة من آمن باطنا وظاهرا. ومن حكى عنهم أنهم يقولون: المنافق يدخل الجنة، فقد كذب عليهم، بل يقولون: المنافق مؤمن؛ لأن الإيمان هو القول الظاهر، كما يسميه غيرهم مسلما؛ إذ الإسلام هو الاستسلام الظاهر.

ولا ريب أن قول الجهمية أفسد من قولهم من وجوه متعددة شرعا ولغة وعقلا.

وإذا قيل: قول الكرامية قول خارج عن إجماع المسلمين، قيل: وقول جهم في الإيمان قول خارج عن إجماع المسلمين قبله، بل السلف كفروا من يقول بقول جهم في الإيمان) (٤).

وقال: (فالمؤمن المستحق للجنة لابد أن يكون مؤمنا في الباطن، باتفاق جميع أهل القبلة حتى الكرامية الذين يسمون المنافق مؤمنا، ويقولون: الإيمان هو الكلمة، يقولون: إنه لا ينفع في الآخرة إلا الإيمان الباطن.

وقد حكى بعضهم عنهم أنهم يجعلون المنافقين من أهل الجنة، وهو غلط عليهم، إنما نازعوا في الاسم لا في الحكم، بسبب شبهة المرجئة في أن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل) (٥).

ويشير شيخ الإسلام بكلامه عن شبهة المرجئة، إلى أن الكرامية جعلوا الإيمان شيئا واحدا هو القول، ولم يضيفوا إليه الاعتقاد فرارا من القول بتبعيضه وتجزئته.

قال شيخ الإسلام: (مع أن الكرامية لا تنكر وجوب المعرفة والتصديق، ولكن تقول: لا يدخل في اسم الإيمان، حذرا من تبعضه وتعدده؛ لأنهم رأوا أنه لا يمكن أن يذهب بعضه ويبقى بعضه، بل ذلك يقتضي أن يجتمع في القلب إيمان وكبر (٦)، واعتقدوا الإجماع على نفي ذلك، كما ذكر هذا الإجماع الأشعري وغيره.


(١) ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٢٣٣).
(٢) ((الإيمان)) لابن منده (١/ ٣٣١).
(٣) ((الفصل)) (٣/ ٢٢٧).
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ١٤١).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٢١٥) وما بعدها، وانظر: ((التدمرية)) (ص١٩٣).
(٦) لعل الصواب: وكفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>