للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: ظهور الفتن]

الفتن: جمع فتنة, وهي الابتلاء والامتحان والاختبار, ثم كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه, ثم أطلقت على كل مكروه أو آيل إليه, كالإثم, والكفر, والقتل, والتحريق وغير ذلك من الأمور المكروهة (١).

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أشراط الساعة ظهور الفتن العظيمة التي يلتبس فيها الحق بالباطل فتزلزل الإيمان حتى يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً, ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً.

كلما ظهرت فتنة قال المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف، ويظهر غيرها فيقول هذه هذه, ولا تزال الفتن تظهر في الناس إلى أن تقوم الساعة.

ففي الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً, ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً, القاعد فيها خير من القائم, والقائم فيها خير من الماشي, والماشي فيها خير من الساعي, فكسروا قسيكم, وقطعوا أوتاركم, واضربوا سيوفكم الحجارة, فإن دخل على أحدكم فليكن كخير ابني آدم)) رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم في (المستدرك) (٢).

وروى الإمام مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً, أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً, يبيع دينه بعرض من الدنيا)) (٣).

وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت: ((استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعاً، يقول: سبحان الله، ماذا أنزل الله من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن، من يوقظ صواحب الحجرات - يريد أزواجه لكي يصلين - رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)) (٤).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة, فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم. وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها. وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. وتجيء الفتنة فيرقق بعضها بعضاً. وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر)) رواه مسلم (٥).

وأحاديث الفتن كثيرة جداً فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الفتن, وأمر بالتعوذ منها, وأخبر أن آخر هذه الأمة سيصيبها بلاء وفتن عظيمة, وليس هنالك عاصم منها إلا الإيمان بالله, واليوم الآخر, ولزوم جماعة المسلمين, وهم أهل السنة وإن قلُّوا, والابتعاد عن الفتن والتعوذ منها, فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن)) رواه مسلم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه (٦).

ظهور الفتن من المشرق:


(١) انظر: ((لسان العرب)) (١٣/ ٣١٧) مادة (فتن).
(٢) رواه أبو داود (٤٢٥٩)، وابن ماجه (٣٢١٥)، وأحمد (٤/ ٤٠٨) (١٩٦٧٧)، والحاكم (٤/ ٤٤٠). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٩٠٩) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وصححه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (١٠١).
(٣) رواه مسلم (١١٨).
(٤) رواه البخاري (٧٠٦٩).
(٥) رواه مسلم (١٨٤٤).
(٦) رواه مسلم (٢٨٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>