من الشراب الذي يتفضل الله على أهل الجنة الخمر، وخمر الجنة خالي من العيوب والآفات التي تتصف بها خمر الدنيا، فخمر الدنيا تذهب العقول، وتصدع الرؤوس، وتوجع البطون، وتمرض الأبدان، وتجلب الأسقام، وقد تكون معيبة في صنعها أو لونها أو غير ذلك، أما خمر الجنة فإنها خالية من ذلك كله، جميلة صافية رائقة، يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشارِبِينَ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ [الصافات: ٤٥ - ٤٧]. لقد وصف الله جمال لونها بَيْضَاء ثم بين أنها تلذ شاربها من غير اغتيال لعقله، كما قال: وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشارِبِينَ [محمد:١٨]، ثم إن شاربها لا يمل من شربها لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ [الصافات: ٤٧]، وقال في موضع آخر يصف خمر الجنة: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ [الواقعة: ١٧ - ١٩]. قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات:(لا تصدع رؤوسهم، ولا تنزف عقولهم، بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة، وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال: في الخمر أربع خصال: السكر، والصداع، والقيء، والبول، فذكر الله خمر الجنة، ونزهها عن هذه الخصال). (١) وقال الحق في موضع ثالث: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين: ٢٥ - ٢٦]، والرحيق الخمر، ووصف هذا الخمر بوصفين: الأول أنه مختوم، أي موضوع عليه خاتم. الأمر الثاني: أنهم إذا شربوه وجدوا في ختام شربهم له رائحة المسك. الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص٢٣٠