للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع عشر: الوسطية]

عقيدة أهل السنة والجماعة – والتي هي عقيدة الإسلام الصحيحة – وسط بين عقائد فرق الضلال المنتسبة إلى دين الإسلام، فهي في كل باب من أبواب العقيدة وسط بين فريقين آراؤهما متضادة، أحدهما غلا في هذا الباب والآخر قصر فيه، أحدهما أفرط والثاني فرط، فهي حق بين باطلين: فأهل السنة وسط أي عدول خيار – بين طرفين منحرفين، في جميع أمورهم.

وسأذكر خمسة أصول عقدية كان أهل السنة والجماعة وسطا فيها بين فرق الأمة:

الأصل الأول: باب العبادات:

توسط أهل السنة في هذا الباب بين الرافضة والصوفية وبين الدروز والنصيريين.

فالرافضة والصوفية يعبدون الله بما لم يشرعه من الأذكار والتوسلات، وإقامة الأعياد والاحتفالات البدعية، والبناء على القبور والصلاة عندها والطواف بها والذبح عندها، وكثير منهم يعبد أصحاب القبور بالذبح لهم أو دعائهم أن يشفعوا له عند الله أو يجلبوا له مرغوبا أو يدفعوا عنه مرهوبا.

والدروز والنصيريون – الذين يسمون العلويون – تركوا عبادة الله بالكلية فلا يصلون ولا يصومون ولا يزكون ولا يحجون .. الخ.

أما أهل السنة والجماعة فيعبدون الله بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يتركوا ما أوجب الله عليهم من العبادات، ولم يبتدعوا عبادات من تلقاء أنفسهم، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)). متفق عليه (١).

وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) (٢)، وقوله عليه الصلاة والسلام في خطبته: ((أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)). رواه مسلم (٣).

الأصل الثاني: باب أسماء الله وصفاته:

توسط أهل السنة والجماعة في هذا الباب بين المعطلة، وبين الممثلة.

فالمعطلة منهم من ينكر الأسماء والصفات، كالجهمية.

ومنهم من ينكر الصفات كالمعتزلة.

ومنهم من ينكر أكثر الصفات، ويؤولها كالأشاعرة، اعتمادا منهم على عقولهم القاصرة، وتقديما لها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيعرضون النصوص الشرعية على عقولهم فما قبلته قبلوه، وما لم تقبله ردوه أو أولوه، واعتبروا ذلك تنزيها، فجعلوا النصوص محكوما عليها، لا حاكمة على غيرها، فيجعلون العقل وحده أصل علمهم، ويجعلون القرآن والسنة تابعين له، والمعقولات عندهم هي الأصول الكلية الأولية، المستغنية بنفسها عن النصوص الشرعية.

ولذلك حكموا بوجوب أشياء، وامتناع أشياء أخرى في حق الله تعالى، لحجج عقلية بزعمهم، اعتقدوها حقا، وهي باطلة، وعارضوا بها نصوص القرآن وسنة المعصوم صلى الله عليه وسلم، حتى قال قائلهم:

وكل نص أوهم التشبيها (٤)

أوله أو فوض ورم تنزيها (٥)

والممثلة يضربون لله الأمثال، ويدعون أن صفات الله تعالى تماثل صفات المخلوقين، كقول بعضهم: (يد الله كيدي) و (سمع الله كسمعي) تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.


(١) رواه البخاري (٢٦٩٥)، ومسلم (١٧١٨) (١٧). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢) رواه مسلم (١٧١٨). ورواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (٧٣٥٠) كتاب: الاعتصام، باب: إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ. من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٣) رواه مسلم (٨٦٧) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(٤) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (٥/ ٢٧).
(٥) ((جوهرة التوحيد لإبراهيم اللقاني الأشعري مع شرحها تحفة المريد للبيجوري)) (٩١)

<<  <  ج: ص:  >  >>